للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هكذا تصطفي الطبيعة المحبين لاستنبات الطفل الصحيح، وهكذا تقبض الغريزة على القلبين لتسخرهما لبقاء النوع وتسييره على مدارج الارتقاء.

ولماذا خصت الطبيعة الرجل بالعبرة من الماضي والمرأة بالحذر من المستقبل؟ لماذا وضعت الطبيعة دليل الطهر في عين العذراء، ودليل العفاف في جسمها؟ ولماذا غرست فيها هذا الخوف من تقلب الرجل وانحرافه عنها؟

في هذا المجال أيضاً توصل العلم إلى استجلاء حقيقة رائعة نستدل منه على منشأ هذه الغيرة وهذا لحذر، وتلك الحقيقة هي أن الطبيعة تتجه دائماً إلى الوحدة وتأنف من الشرك وتتمرد عليه؛ وقد شوهدت حوادث كان فيها نتاج الزواج الثاني من المرأة أقرب إلى مشابهة أطفال الزواج الأول، وبتعبير أوضح تحقق العلم أن امرأة يستنبت نتاجها الأول من رجل تبقى معرضة للاستمرار على الإنتاج طابعة أبناءها على غرار ذلك الرجل.

إن هذا الاكتشاف يبرر لدى المفكر هذه الغيرة المقدسة التي تتجلى في الرجل الطبيعي غير الفاسد بمبادئ الإطلاق وضعف الحيوية فيه، وهذه الحقيقة نفسها تفسر لنا هذا الحذر الغريزي في المرأة من تخليّ المحب الأول عنها، لأن الطبيعة تتمرد في نفسها فهي تربأ بشخصيتها أن تصبح مستقراً للشرك، والكون بأسره يتجه إلى التوحيد في ارتقائه.

إن ناموس الحب والزواج في الأصل إنما هو اندماج بين روحين وجسدين اندماجاً حراً تحت سيطرة التجاذب المطلق من كل تضليل، فإذا هو تمّ وفقاً لهذا الناموس، يندر أن تنفصم عراه مدى الحياة.

على أننا في هذا العصر الذي سبقته أدوار عديدة استنبت فيها النسل من التزاوج المكذوب لا يمكننا أن نختم استمرار الاتفاق بين عاشقين ما لم نثق أولاً من أنهما كليهما قد نشأ من زواجين ساد الحب الحقيقي فيهما، إذ أننا كثيراً ما نرى امرأة جن جنونها بمن أصبحت له زوجة حتى إذا انقضت فترة من الزمن نراها مضعضعة تحلم بالشرك والضلال. وكثيراً م نرى رجلاً يهيم بفتاة حتى أصبحت زوجة له عافتها نفسه، فذهب تائها في المواخير يحصد ما جناه أبواه عليه.

من الصعب إن لم نقل من الممتنع أن يعرف حقيقة الحب ووحدته من ولد من زوج لا انسجام فيه، أن أبناء الكره لا يحبون، والطفل المولود من شهوة حيوانية حوالة يمتزج

<<  <  ج:
ص:  >  >>