ولو أن الأمر وقف عند حد الخرافة لارتحنا إلى قصص السندباد. وتهريف بعض كتاب العرب إذ يقصون نبأ الجزيرة التي ينزل إليها النواخذة فما أن يوقدوا نيرانهم حتى تميد بهم وإذا هي حوت هائل يتأهب للعودة إلى الأعماق. ولم نتساءل إن كان هذا حوتا أو تنيناً أو دابة من دواب البحر الأخرى على حد قولهم. ولكن فيلسوفنا له في نفوسنا إجلال وإعظام. هو أفلاطون ردد ما ذكر عن سولون من أنه عرف عن كهنة مصر بأمر جزيرة (أطلانطيس) الواقعة عبر أعمدة هرقليس في البحر المحيط وهي بلاد (أكبر من آسيا الصغرى وليبيا مجتمعين) غزا أهلها جميع شعوب البحر الأبيض الا شعب أثينا من تسعين قرنا خلت قبل ميلاد سولون. وعاد أفلاطون في موضع آخر إلى الإشادة بثراء (أطلنطيس) وحدّث بانخسافها في مياه الأقيانوس الغربي (الأطلنتي فيما بعد) فكانت عائقا للملاحة فيما وراء أعمدة هرقليس. أبى الخلف الذي يجل اليونان وفلاسفتها الا أن يصدق افلاطون فاعتقد بوفون ومونتيني وفولتير بحقيقة تلك البلاد المغمورة. وحاول الكثير أن يثبت أن الجزر السعيدة (الخالدات) هي البقية الباقية من (أطلانطيس) الجنة الأرضية. كذا كان هذا شأن الجزيرة التي قيل بأن القديس برندان عبر إليها المحيط. توجهت إليها بعثات الاستكشاف الأسبانية والبرتغالية حتى أتفق في سنة ١٧٥٩ على أن جزيرة (سان برندان) لم تكن سوى سراب بحري. ولكم حدثنا جواب البحار بأحاديث بنات الماء معسولات النغم. يغررن بالنوتي فيلقى بنفسه بين أحضانهن فيحملنه إلى قصر ملك البحر في أعماق المحيط. وهو قصر (جدرانه من المرجان ونوافذه من أرق ما يكون القهرمان. سقوفه من أصداف تتفتح عن لآلئ. تظلله أشجار عجاب تسبح بينها أسماك ذات ألوان كأنها طيور لا تعرف الأسجاع).
وإذا كان النواخذة اهتموا بتعرف سطح المحيطات منذ أقدم العصور لأغراض الملاحة، فقد ظل باطن البحر سراً أمعنت في إغلاقه خرافات رواد البحار وأقاصيصهم بل وتلك المخلوقات الغريبة التي اصطنعوها اصطناعا ليدللوا بها على تهريفهم. ولا زلنا نذكر تلك السمكة التي اصطنع لها وجه قرد أو إنسان للتمويه بها على الناس بأنها من عجائب البحار. وقد رأيناها معروضة في متحف موناكو كأثر من آثار تلك العهود. ولم نذهب بعيدا