(أيس) في شيء ولا هي من بنات الماء وما إليها من خوارق. ولكنها بدائع ذلك الكوكب الذي نحيا على سطحه نسقتها الطبيعة تنسيقا يتفق وما أودعته فيها من قوى وما فرضته عليها من نواميس. وانا لنستسمحن القارئ أن نقدم إليه بعض أولئك الأعلام الذين أقاموا ذلك الصرح البديع بين قصور العلم. أعني صرح الاقيانوغرافيا. ولعل القارئ راغب معنا أن يعرف طرفا مما قاموا به في هذا السبيل.
اكتشافات وأسماء أعلام
كان العالم بواش في سنة ١٧٥٢ ممن اعتقدوا بالطوفان فقال بأنه إذ غيض الماء كشف عن الجمال فالأودية. ولو واصل الماء هبوطه لظهرت أعماق البحار وديانا تتوسطها جبال أخرى، فالجبال المغمورة بمياه الاقيانوسات تكمل سلسلة جبال اليابسة. وهي تقسم البحار أحواضاً متصلة فوق قممها المغطاة بالماء. هذا النوع من التفكير قائم معظمه على أساس من المنطق ولكنه غير علمي إذ يتعدى ما يمكن استنتاجه من المشاهدات المباشرة. الا أن ما يعجبنا من بواش هو أن الاكتشافاتالاقيانوغرافية أثبتت أن قاع البحار أغوار سحيقة وجبال مرتفعة وأنه قد يمكن اعتبار تلك الجبال حلقات من السلسلة الأرضية. وأن في شواطئ بعض الجزر وانحدارها السريع إلى أعماق بعيدة ما يدعو إلى اعتبار هذه الجزر قناة جبال شمخت برأسها على سطح المحيط. وأن المحيطات مقسمة إلى أحواض تفصلها أسوار جبلية، وأن هذه الأحواض إن ظهرت متصلة فلأن مياهها تغطى أعالي فواصلها الجبلية. قال صيادو المرجان (البحر لا قاع له) فهزأ مراسيمي بقولهم ووعد لوعنى أحد الأمراء بتجهيز سفائن خصيصا لدراسة الأعماق. ومراسيمى رجل فرنسي مفكر يرتكز تفكيره على قواعد الموازنة والتقابل ولما كان مجرد وجود الجبل يعني وجود الوادي فقد استنتج أن الشواطئ الجبلية تعني انحدار الشاطئ عاجلا إلى الأعماق. ولم يقف مراسيمي عند هذا المنطق. بل عنى بدراسة الأعماق القريبة وقسمها بحسب أنواع رواسبها وكان أول من وضع خرائط الأعماق مبينا عليها نوع القاع من صخري ورملي وطيني. ولقد قيست درجة حرارة الماء تحت سطح البحر أثناء رحلات الكابتن كوك التي كشف فيها عن البحار الجنوبية. ولم يكن في المستطاع قياس حرارة الماء إلى عمق بعيد بدقة قبل اختراع ترمومترات النهاية الصغرى والنهاية العظمى وغيرها مما تسجل درجة الحرارة عند عمق