والذكريات، وما زالت مستقى لأقلام كثيرة، ومبعثاً لطائفة من القصص الشائق الشجي.
ومن الصعب أن نصف هنا كل ما ينتظم في براتر من المناظر والألعاب المدهشة؛ بيد أنن نعرض هنا بعض ما رأيناه وخبرناه منها، وإن منها لما يترك في النفس أثراً لا يمحى؛ وإذا كان معظم الألعاب والنزه مما قد أعد للأحداث، فإن منها ما تقتضي ممارسته إقداماً وجلداً، ولقد شهدنا ذات مساء لعبة أو نزهة مروعة خطرة معاً. وكنا أربعة من الأخوان، فاقترح علينا صديقنا الدكتور (ق) أن نركب القطار الطائر وصديقنا الدكتور أعرف الناس بفينا وبراتر، وكان منظر هذه القطر الطائرة بريئاً متواضعاً، فهي عبارة عن سيارات صغيرة أعدت لشخص واحد، وركبت على خطوط مكهربة، فركبنا جميعاً، وكان كل ما نصح به (ق) أن نمسك أنفسنا جيداً، وانطلقت القطر الطائرة بسرعة حتى جزنا نفقاً كبيراً مظلماً قد رتب على هيئة الجو والسماء، ونظمت في أفقه نجوم كهربائية، وهنا أخذت القطر الطائرة تسير الهوينا منعطفة حتى لقد تصورنا وشعرنا حقاً أننا نركب طيارة تعالج الرياح في الأفق، ولكن حدثت بعد ذلك مفاجأة مروعة؛ ذلك أن هذه الطيارات الخيالية اندفعت فجأة إلى الضوء بسرعة هائلة لتمثل حالة سقوط الطائرة، وأخذت ترتفع وتهبط في منحدرات متعاقبة بعنف مروع مدى دقيقة أو اثنتين، حتى لقد خيل إلينا غير مرة أن الطائرة ستقذف بنا من حالق، وكانت دورة عنيفة خطرة اقتضت منا أعظم جهد وجلد؛ ثم انطلقنا بعده إلى الضوء، وتمت التجربة الهائلة، ونهضنا بأقدام وأعصاب مزلزلة، وصديقنا الدكتور في القاطرة الأخيرة يحدجنا بخبث ويبسم لما ارتسم على وجوهنا من بوادر الانزعاج والشحوب.
وثمة مشهد آخر في براتر يستحق الوصف هو (دار الأشباح) وهو اسم يطابق المسمى، وهي عبارة عن دار كبيرة تخترقها أروقة مظلمة، ويجوبها المشاهد في عربة صغيرة تنطلق به في ظلام الأروقة، ثم تعترضه خلال التجوال هياكل عظيمة وأشباح مروعة، وأحياناً تلطمه يد رقيقة خفية، أو يرى في الظلام شبحاً يخرج من قبره فجأة ثم يعود بسرعة، أو يمر فوق هيكل عظمي فيرسل صيحة مزعجة، وهكذا يرى عدة من صور الفناء والعالم الأخير خلال وميض النور في الظلماء.
وربما كانت أشهر نُزه براتر وملاهيها نزهة العجلة الكبرى وعجلة براتر تشرف على