فينا منذ نصف قرن أو أكثر، وهي عبارة عن عجلة ضخمة يبلغ قطرها نحو سبعين متراً أو أكثر، وقد ركبت حولها مخادع كبيرة يركبها الرواد، ثم تدور بهم ببطء فترتفع بهم شيئاً فشيئاً، حتى تبلغ المخادع الذروة واحداً بعد الآخر، وعندئذ يشهد الراكب فينا بأنواره الساطعة وأبراجها الشاهقة، ثم تهبط العجلة بعد ذلك حتى يبلغ الراكب مكان النزول، وتستغرق الدورة نحو ربع ساعة. ولهذه العجلة الكبيرة شهرة خاصة بين الشباب، ولها في الحب ذكريات أيضاً، ذلك أن كثيراً من المحبين الذين تضيق بهم سبل اللقيا، يلتمسون مخادع منفردة في العجلة، ثم يقضون هذه الدقائق القليلة في بث لواعج الهوى، وتبادل القبلات الحارة.
وفي براتر يوجد معرض هو أغرب معرض من نوعه يسمى معرض المخلوقات العجيبة وفيه تعرض حقاً طائفة من أغرب المخلوقات البشرية مثل أضخم امرأة في العالم يبلغ وزنها ثلاثمائة كيلو، وأطول وأضخم رجل في العالم هو عملاق يبلغ طوله نحو ثلاثة أمتار، وأصغر مخلوقات بشرية، ونحو ذلك من غرائب المخلوقات والطبيعة.
وهنالك أيضاً في دروب براتر ومناظره والعاب عديدة أخرى يضيق المقام عن وصفها، وقد أعدت جميعاً للأحداث والشباب.
ويهرع لشباب كل مساء إلى براتر، يتفرقون في دروبها وأنديتها وملاهيها، وهي تغص بهم دائماً، وهناك يقضون ساعات في الحبور والمرح، وينسون هموم الحياة الثقيلة، وبؤس العيش والعطلة، لقاء دريهمات قليلة.
لقد كانت براتر وما تزال مرتعاً ومتنفساً للشباب؛ وهنالك بين هذه الدروب المتشعبة والمسارح الساطعة الصافية يجب أن ينسى المرء نفسه برهة، ويرجع إلى عهد الحداثة، ليشهد ويمارس هذه الألعاب الصبيانية التي تنفث رغم طابعها الصبياني كثيراً من روح المرح والدعابة، وهذا ما يفعله أهل فينا جميعاً، وهذا ما يفعله كل أولئك الذين يزورون العاصمة النمساوية، ذلك أن سحر براتر لا يقف عند مسارحها ومناظرها وألعابها، بل إن لبراتر سحراً معنوياً عميقاً يرتبط بماضيها وذكرياتها، وهذا السحر المعنوي يسبغ على اسم براتر نوعاً من الجلل لا تتمتع به عادة أمثال هذه الربوع المرحة الضاحكة؛ وإنما تتمتع به براتر، لأنها استطاعت خلال الأحداث والعواصف أن تحتفظ بماضيها وذكرياتها، وأن تبقى