(هذه يا فتى حال إخوانك ممن سبقوك إلى ما أنت مقبل عليه من هذا الزواج! فماذا أنت صانع؟ وفتاتك ليست إلا واحدة من نساء الله اللائى طبعن على غرار واحد، وصببن في قوالب متشابهة!؟ فأنت وفتاتك بين أن تندمجا في زمرة أولئك التعساء الساخطين الشاكين إذا أنت سرت معها على نهج بقية الأزواج، وبين أن تعيشا عيش السعادة والهناء إذا أنت أغضيت عما هو عيب (جنسها) في الواقع قبل أن يكون عيب شخصها).
وعاهدت نفسي في ذلك اليوم على ألا تثيرني من زوجتي نزعة من تلك النزعات التي رأيتها تعمل على تعكير صفو الأزواج من إخواني ومعارفي، وقضيت قضاء سابقاً لأوانه بأنها حماقة ما بعدها حماقة أن يغضب الإنسان من أمر هو يعرف أنه لا شك حاصل ثم هو يتوقع حدوثه قبل أن يحدث!
وتزوجت. . . . . .
ورأيت أن نقضي شهرنا الأول في رمل الإسكندرية، فسافرنا على أجنحة الطائر الميمون الذي يقول الشعراء إن السعداء من الناس يسافرون عليه، وكنت في زيارتي السابقة القصيرة لثغر الإسكندرية قد عرفت أن بجهة الشاطئ توجد سلسلة من الحدائق البديعة التي تليق بعروسين أن يقضيا بين خمائلها بعض سويعاتهما الوردية اللون، ولكني لم أكن أعلم أين تقع بالضبط تلك الحدائق من محطة الشاطئ، ولم أشأ أن أتأبط ذراع فتاتي وأذهب أتخبط بها وأتسكع حتى أهتدي إلى موقع تلك الحدائق. وكان من عادتي أن أصحبها كل مساء لقضاء الوقت في مغنى من مغاني الثغر وملاهيه، ورأيت في ذلك المساء أن أفاجئها بارتياد تلك الحدائق دون أن أخبرها بوجهتي حين أخرج بها في نزهة المساء لكي تكون الزيارة أمتع لها وأوقع في نفسها. فانتهزت فرصة القيلولة وأنها غلبها النعاس وتسللت أنا من الفراش فوضعت ملابسي في عجلة وتلصص وخرجت من المنزل في هدوء وحذر أطير إلى جهة الشاطئ لأرى كيف يكون وصولنا إلى تلك الحدائق، وأي مواقف الترام أقرب إليها، وأي مداخلها أمتع منظراً، وأي طرقاتها أشهى مسلكاً، وأي أركانها أهنأ جلسة وأنعم مقاماً.
ووفقني الله في مهمتي فلم أغب عن منزلي أكثر من ساعة عدت بعدها وأنا أكاد أطير بجناحين لألقى عروسي فأحتملها إلى هذه المفاجأة السارة التي خبأتها لها. . . . . .