للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي تتناقلها مجالس الأدباء، ولا يراد بها التحقيق، ولا ينظر فيها إلى صدق الرواية وسياق التاريخ وما إلى ذلك؛ بل إن كثيراً مما يروى في تراجم رجالنا كان مما يُراد به مضغُ الكلام في مجالس الأمراء أو في سامر الأدباء - هذا على أنها ربما حملت فيما تحمل أشياء لولا ورودها في هذه النصوص لافتقدنا من حلقات التاريخ حلقات لا ينتظم أمره إلا بها، ولا يستمر إلا عليها. فلمثل هذا كان لا بُدَّ لنا من النظر في النصوص وتمييزها، وردّ بعضها والأخذ ببعض، حتى لا تنقطع بنا السبل في الترجمة لهؤلاء الأعلام. فلا يفوتنك هذا إذا قرأت ما نكتب، أو أردت أن تقرأ أو تكتب).

وأنا حين أردت أن أكتب عن المتنبي نظرت في هذه الأخبار خبراً خبراً، فلم أجد دليلاً واحداً يجعلها تستحق عندي صفة الصدق فأبقيتها موقوفة، ثم عدت فنظرت فتناوشتها الشبهات واعتورتها الطعون، فلم أجد بداً من وسمها بالكذب، ثم عدت إليها فعارضتها بالعقل وشعر الرجل وحوادث التاريخ لأستخرج منها الحقائق التي يسترها الرواة والمتكذِّبون فوقعت لي أشياء هي التي جعلتها أصلاً فيما كتبت، وأنا على يقين من أن الأستاذ سعيد لم يتنبه إلى هذا الذي فعلناه، مع أنه هو الأصل في الكتابة والتحقيق، أما التسليم فليس يجدي شيئاً إلا التكرار والمتابعة، ثم الزلل والتورط فيما أراد الكذابون أن يحملوا الناس عليه ويوقعوهم فيه.

ويقيني أن الأخ سعيد لا يجد دليلاً على صحة هذه الروايات فيما يزعم إلا أنه قد رواها فلانٌ وفلانٌ، ورواها المعري - وهو الحجة الثبت - (وهو أشد منا حباً للمتنبي، وعصبية له، وهو أنفذ بصيرة وأحكم نقداً للأخبار مع قرب زمان وصفاء ذهنٍ وقوة حجة ومواتاة وسائل التحقيق إذ ذاك)، ونحن لا ننكر على المعرّي شيئاً من ذلك، ولكن الذي ننكره أن الذي كتبناه كان عصبيةً لأبي الطيب، أو حُباً له أو فيه. ليكن المعري صاحب عصبية، فذلك لا يجعلنا نحن من أهل العصبية حتى نبعث بالحقيقة، ونلعب بفن النقد من أجل أبي الطيب أو غيره من الرجال.

أما أن رواية المعري - وهو صاحب عصبية لأبي الطيب - مما يصحح هذه الأخبار أو يرجح الصدق فيها، فهو حكم خطأ لا يصح لأحد أن يتابع عليه، فإن أبا العلاء لم يُشهِد كتبه أنه لا يروي إلا الصحيح من الأخبار؛ وترك المعرّي الشك فيها أو تكذيبها ليس يقوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>