أيضاً دليلاً على صحتها، وليس المعري بمنزهٍ عن الخطأ والغفلة، وهو من هو، فذهاب وجه النقد عن المعري ليس يكون طعناً فيه، ولا يوجب نسبة الكذب إليه، ولا نفي صفة الصدق عنه.
وأحبُّ أن أقرب إلى الأخ حقيقة هذه الروايات. . . فهو يعلم أن الرواة قد رووا للرسول صلى الله عليه وسلم معجزاتٍ كثيرة؛ وكثير من الذي رووه لم يثبته أهل العلم بالحديث على طريقتهم؛ وقد رواها قومٌ على عهد الصحابة والتابعين، وهي كذبٌ مخترعٌ بشهادة أئمة هذا العلم، وقد بقيت هذه الآثار مروية إلى يوم الناس هذا، وهي عند المتأخرين شائعة معروفة متداولة مصدقة، وقد وردت في كتب كثير من الأئمة العلماء. أفيكون تداولها وذيوعها وتصديق العامة لها، وورودها في بعض كتب العلماء هو الدليل الذي لا دليل غيره على صحة هذه الأخبار؟! وأكثر من ذلك، أيكون ظهورها على عهد الصحابة والتابعين - على قرب زمن كما يقول الأستاذ - وتصديق بعض العامة لها في ذلك العصر، وسكوت بعض العلماء عن الكلام فيها مما يدل على صدقها؟!
ونحن قد أتينا في الذي كتبناه عن المتنبي بالشبهات التي ترجح الكذب في هذه الروايات التي يراد بها الوضع من قدر الرجل والتحقير له، والطعن في نسبه أو عقله أو خلقه أو أدبه. لا. . بل بينا أن ألفاظ هذه الروايات وحدها تحمل أكبر شبهة، كالذي روي عن هذا اللاذقي المسمى معاذ بن إسماعيل، وقد روي الخبر بطوله في كتب كثيرة، وأوردناه بتمامه في كتابنا ص ٤٥ - ٤٧ واختصره الأخ سعيد في كلامه في العدد (١٦١) من الرسالة، ولا أدري لم اختصره، فإن الذي يقرؤه يجد فيه سمة الوضع والكذب مستعلنة كما لم تستعلن في حديث غيره. وقد بينا بعض وجوه نقده في كتابنا من ص ٤٩ - ٥٢. فكانت حجة الأستاذ سعيد في رد قولنا وإسقاطه أنه (لم يجد فيه مقنعاً به من القوة ما يقف لهذه الروايات الصحيحة)، وكان حقاً على الأستاذ أن يعلمني وجوه الضعف في قولي حتى أستبرئ منه، أما هذه الكلمة المجرّدة فليست بالتي تسقط كلامنا جملة واحدة حتى ولو كان هذا الكلام سقطاً محضاً.
أما ما اعترض به علينا فنحن نبين له وجه بُطلانِه. يقول:(وإذا كان ما ذهب إليه الأستاذ صحيحاً، ففيم كان خجل أبي الطيب كلما سئل عن أمر لقبه المتنبي. . .؟) إلى آخر قوله: