وبعد، فلو حمل الأخ سعيد نفسه على تدبر الذي كتبناه في المقتطف عن المتنبي لما وقع هذا الاعتراض الذي حاك في صدره، وقد أشرنا مرات في كتابنا إلى وجوب ذلك، فقد كنا نترجم للرجل ترجمة صحيحة يقرؤها القارئ ليتمثل صورة هذا الشاعر العبقري وفاء له وتقديراً بعد مرور ألف سنة على وفاته، فلم يكن سبيلنا أن نتعرض لأصول النقد وشرحها وتفصيلها، ولم نأخذ الروايات جميعها بالنقد مرة واحدة، فأن ذلك كان يقتضي منا وقتاً كثيراً وكتاباً كبيراً، ولكن من يطلع على الذي كتبناه منصفاً متدبراً عارفاً بطرف من أصول نقد الرواية يعلم يقيناً أننا لم نكتب حرفاً واحداً إلا بعد أن استوفينا عندنا نقد الأخبار (خبراً خبراً) كما يريد الأستاذ سعيد، وليس عسيراً على المتدبر أن يستخرج من الذي كتبناه الأصول التي نقدنا بها هذه الأخبار. ولعل الأستاذ قد قرأ كثيراً مما فاضت به الصحف والمجلات عن المتنبي، وقرأ في خلال ذلك كثيراً من نقد الأخبار التي رويت، ولعله رأى أيضاً أن هؤلاء قد اتخذوا كتابنا مصدراً استنبطوا منه أصول النقد التي وضعناها، وقاسوا عليها فأخطئوا وأصابوا، وليس هو بأقل منهم حتى يفوته ما أصاب غيره.