وأنهم كانوا قد وضعوه له ليغيظوه به. ومثل ذلك كثير في كل عصر ومكان. ولعل الأخ سعيد لا يعدم رجلاً في بلده قد نبزه الناس بنبزٍ يغيظونه به، ولا نشك أن هذا الرجل (يكره التلقب به، وإنما يدعوه به من يريد الغض منه).
وأما كلمة كافور فهي كلمة مفتعلة موضوعة، وإلاّ تكن كذلك، فليس فيها ما يدلّ على شيءٍ محققٍ كان قد حدث من أبي الطيب. وكافور كان قد سمع هذه الدعوى التي يزعمونها عن نبوة أبي الطيب وسلم بها، ثم تكلم، وليس تسليم كافور بها سنداً لها يحقق تاريخها، ويثبت وقوعها بعد الذي ذكرنا لك من ضعف الروايات.
هذا وقد أراد الأستاذ سعيد أن يعلمنا سبل التحقيق في التاريخ فقال:(والتاريخ لا يثبت خيراً أو ينفيه تبعاً لميل مؤلف أو رأيه. . . إلى آخر قوله) وهو قد فعل أكثر من ذلك وأكبر، وذلك أنه بعد اعتراضه قال:(وكافور ليس من الذين يختلقون على شاعر، ولا ممن يروج الاختلاق)، ولم يرد في كلامنا ذكر كافور واختلافه حتى يعقب الأستاذ هذا التعقيب. هذه واحدة، والأخرى أن الأستاذ قد حكم على كافور حكماً لم يرد له ذكر في كتاب، فهل يستطيع أن يؤيد هذا الحكم بالدليل التاريخي والبرهان العقلي أن كافوراً لم يكن يختلق على الناس، ولا يروج الاختلاق. .؟! لقد أتينا نحن بالروايات ونقضناها بالدليل - ضعيفاً كان أو قوياً - أما أستاذنا فقد حكم على رجل بغير دليل ولا بينة من التاريخ أو غيره.
ثم بقي اعتراض الأستاذ الذي يقول فيه:(وأمر ادعاء المتنبي العلوية ليس فيه ما يهيج عليه الناس كل هذا). وأنا لا أعلم ماذا يريد الأستاذ سعيد بقوله (كل هذا)، وإذا أرادني على أن أجيبه على ذلك فليبين لي صورة المبالغة في قوله (كل هذا)، فأنا لا أعلم من أمر هذه المسألة أكثر من أن الرجل قبض عليه بالشام وحبس. أما هياج الناس فلم يرد له ذكر في كلامنا ولا في كلام الرُّواة. وأما حبسه أو قتاله من أجل العلوية فليس ببدع في التاريخ، وكان لزاماً على الأستاذ قبل أن يكتب هذه الجملة ويصوغ هذا الاعتراض أن يرجع إلى كتب التاريخ ليعلم أن الذين قاتلوا أبا الطيب وحبسوه، كانوا قد قاتلوا من قبله قوماً أو حبسوهم من أجل ادعاء العلوية، وكذلك فعلوا مع العلويين الذين خرجوا عليهم في أرضهم وديارهم. فقتاله وحبسه ليسا يثبتان أن هذا الذي كان من أبي الطيب إنما كان إظهاره النبوة لا ادعاءه العلوية.