إلى جانبي في صورة طيف أو خيال، وقد أسمعه يناديني ويناجيني، وقد أضطر إلى أن أجيبه فأحدثه وأقارضه نداء بجواب ومناجاة بنجوى. . يسير معي - كالصديق الوفي - في النهار فيكاد يعزلني عن سائر الناس، وفي الليل. . . في الليل الأخير حيث تنام الناس وترقد الأعمال فأبقى في الوحدة والسكون. . . أنا وهو. . . والله ثالثنا. . .
ولكم حاولت أن أفلت من زمامه وأنجو من إساره وأفك عقالي من يديه فما زدت إلا تعلقاً به وتشبثاً بأردانه وأطرافه. . .
لقد غلبني على أمري ونزع شأني من إرادتي فرضيت أسره ولذت لي غلبته. . . وبات كما كان. . . مسعدي ومعذبي. . .
أما اليوم يا صديقي وقد انجلت الغمرة وهدأ ميدان المعركة، وبسم الشهداء في عليين وترنحت النفوس طرباً، ورقصت القلوب فرحاً، وآن للمجاهد في سبيل لحرية أن يغمد سيف جهاده، ويولي وجهه شطر إصلاح بلاده، فقد توفر لي من الوقت نصفه أو يزيد.
وسأراجع عهدي القديم وأحاول أن أفك إسار الحنين وأشفي داءه وأروي صداه وأتحرر أنا من أغلاله. . . لعله لا يبقى معذبي ويظل مسعدي وحسب.
سأمسك قلمي وأكتب للأدب والفن. لا أريد مالاً ولا شهرة، فحسبي من الثانية ما نلت، وحسبي من غنى شبع وري. . . وإنما لوجه الحق في صوره السامية: الله والوطن. نجاهد في ميدان الأدب والفن، وعذاب الجهاد في سبيل الحق أسمى مراتب اللذات.