للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليمين حيث الحرية والحياة، وإما إلى اليسار حيث الفناء وملاقاة رب عادل منتقم كريم. حولهم - في هول موقفهم - أهل وصحب يبكي بعضهم بدموع من قلب حزين، ويتباكى بعضهم بدموع خادعة كاذبة. تتنازع الحياة بآلامها وحسراتها - نفوسهم أضعاف ما تنازع من يبكون عليه. . .

وذلك الأب قتل في سبيل دفع عار عن آله وأبنائه وأحفاده أو في سبيل الحصول على طعام يرد عن أولاده شر المسغبة، تقسو عليه الحياة فيقف في القفص الحديدي ينصت إلى شهادة ولده الصغير وهو يقص على القضاة ما رأى من جريمة أبيه. . .

وتلك الأم الحانية الرؤوم حاول ولدها قتلها عن غواية وطيش، فتدلف محطمة إلى ساحة القضاء تطلب البراءة له وتسترحم في مصيره من بيدهم المصير.

وذلك الزوج أعز زوجه ودللها ومهد لها نعيم الحياة فبادلته بالحب غواية وبالإخلاص خيانة، فأرداها وفقد نعيمها وهو يسير في أغلاله إلى جحيمه، وبذلك فقد النعيمين. . . في الدنيا وفي الآخرة!

ثم أولئك المجرمون - الباغون السفاكون فعلوا فعلتهم - في غاشية، ثم ردت إليهم إنسانيتهم فوقفوا أمام القضاء في ساعة الهول يوقنون بالنهاية المحتومة ويفزعون بالوهم إلى الأمل ويمدون - بأيديهم - حبل أعمارهم. . . بنظرة باسمة من محاميهم!

. . . هؤلاء وغيرهم، وحياتهم تلك اللحظات هي مختصر لكل محيط الحياة يعيش صاحبك في وسطهم ويحيا لهم ومن أجلهم يوحون إليه الرثاء للإنسانية والبكاء على أطلال الفانين وأشباح المعذبين. . . ويحاول فنه أن يقوم بواجبه كفنان، ولكن واجباً آخر أقوى جذباً وأشد فعلاً يطغى ولا يرضى إلا أن يكون وحده صاحب الحق على شؤون صاحبك الذي يعمل ويعمل، والحنين ماثل في عالمه الخفي يسعده ويعذبه. . . ذلك الحنين الذي ولدته العواطف المحبوسة والآلام الطائفة كل يوم - بل كل لحظة - بالنفس والقلب، ثم كبر ونما وطال واستطال على كل منزع، وركب كل منفذ، وصعد مع الروح إلى أعلى سبحاتها، وجرى مع الدم إلى أقصى شوط من شرايينه، وغاص إلى أعمق أعماق النفس وسبح في ظلماتها وتراوح في أمواج ضوئها وجاب أنحاء القلب وارتقى صخوره واتأد فوق لينه وامتطى متون غيومه. . حتى أصبحت أحسه كياناً في جوار كياني، أراه في بعض الأحيان ممثلاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>