وصاحبك يا صديقي - كما تعرف ولا يعرف الكثيرون - فنان اتقدت شعلة الفن بين جوانحه منذ الصبى فأدرك معناها مبهمة كأنها الغريزة، واندفع في سيال مجراها يقرأ وينتج لا لمال أو شهرة، واستطاع أن يوفق بين حياة الدرس وحياة الفن، غير أن العمر قد تقدم بصاحبك إلى ميدان المسئوليات، وتوزع الجهد بين مختلف ما يطلبه الجهاد في سبيل بلاده، والجهاد في سبيل مهنته، ما يستغرق يومه كله إلا ساعات للنوم ما عرف النوم فيها إلا اسماً ورؤى! فألقى لذلك قلمه لا يكتب في الأدب ولا في الفن، وإنما يكتفي باختلاس بعض الوقت يغذي فيه بعض نهمته للقراءة والإطلاع.
وشقي صاحبك بهذا الجرمان، فقد تزاحمت عليه في حياته الجديدة موجبات للفن من حوادث ذاك الجهاد ومن ألوان ذلك العيش العتيد.
ولكم جلس إلى فكره وخياله ونفسه والشعلة متقدة والنفس راغبة، وقلمه في يده ملتهب الشوق، ويود بقطع الوتين أن يعيش في حياة الدنيا التي يرسمها ويصورها - بل يخلقها - ساعات هي من العمر إن كان بعض العمر حياة وبعضه عدم، فلا يلبث أن يناديه واجبه ولا يسعه إلا رد النداء.
ولعلك تعرف يا صديقي أن صاحبك المحامي يحيا - في مهنته - في محيط من آلام الناس وعذاب بني البشر، يعيش للمظلوم ويجاهد في سبيل الباكي الأسير.
والفنان كما تعرف أيضاً لا يعيش لنفسه وإنما يعيش للإنسانية مختزلة - في زمن حياته - في جيل معين وقوم معينين لا يستريح أو تسعده حياته إذا ظلت خواطره وأفانين إنتاجه وثمار فنه رهن محبسها - في قرارة النفس أو في مستقر الخيال والفكر - وإنما هو شقي بفنه إن لم يؤده إلى مستحقيه، فالشمعة وهي غير مضاءة فيها عناصر الضوء ولكن قيمتها عدم، فإذا أشعلت واتقد لهبها وبدأت تحترق وأعطت نفعها وهي تبذل حياتها طبقة طبقة حتى تخبو وتفنى، وحياة صاحبك - في عمله تعطي له في كل لحظة وحياً وإلهاماً. . . أولئك المظلومون يستصرخ لهم القضاء، والقضاء ظل الله في الأرض ولسان كلمته ويد قضائه وقدره، ولكنما فيه من قدسيته وتنزهه القليل اليسير، فقد ينصف المظلوم وقد ينخدع في حيلة الظالم، وكم تموت حقوق في يد قضاة الحقوق، وأولئك الأبرياء يقفون بين شاطئ الموت وشاطئ النجاة فوق موجة قلقة غير مستقرة، كلمة واحدة تقذف بالموجة إما إلى