تلك سلالة تمخضت بها الحياة بين حربين، وربيت في المدارس على دوي الطبول، فكان إذ ذاك ألوف من الأولاد يحدج بعضهم البعض الآخر شزراً وهم يمرنون على القوة عضلاتهم الضعيفة، وكان الآباء الملطخون بالدم يلوحون للأبناء من حين إلى حين فيرفعونهم لحظة إلى صدورهم المحلاة بالذهب ثم يتركونهم إلى الأرض ويعودون ممتطين صهوات الجياد).
وبعد أن وصف ميسيه سقوط نابليون مدفوعاً بجناحي القدر إلى أغوار الأوقيانوس البعيد، قال:
(وجرت في مجتمعات باريس أمور مروّعة، إذ انشق الرجال عن النساء، فلبس النساء البياض كالعرائس، واتشح الرجال السواد كالأيتام، ووقفت الفئتان تحدج إحداهما الأخرى بنظرات العداء. انفصل الرجال عن النساء فتولد عن هذه الانفصال شيء أشبه بالنصل القاطع لا شفاء لجرحه، وما ذلك النصل إلا عاطفة الاحتقار.
فقد الرجل حبّ المرأة، فاندفع إلى الخمر ليستعيض عما فقد، ونظر الناس إلى الحب نظرهم إلى الدين كأن كليهما توهم واغترار، وغصت المواخير بالرجال فأصبحت الفتاة مهملة بعد أن كانت تغذي الشبيبة بحبها الطاهر السامي، وعندما احتاجت هذه الفتاة إلى غذاء ورداء باعت نفسها وبذلت عرضها لتعيش. إن الشاب الذي ترك الفتات وكان يمكنه أن يستنير وإياها بأنوار شمس الله، ذلك الشاب الذي كان في وسعه أن يقتسم مع حبيبته لقمة الخبز مبللة بعرق جبينه ويتمتع بحبها في فقره، أصبح مستفرشاً لدمن الإنسانية في مواخير الفسق حيث يتلاقى بالفتاة التي تركها وهي مثقلة بالأوصاب، شاحبة مضعضعة، يجول على فمها الجوع ويرعى قلبها التبذل والفساد. .).