إننا نسمع المعترضات يصرخن قائلات: إننا لا ننازع الفلاح محراثه، بل ننازع الرجل حقنا في الاشتراك في الأعمال التي تقوم المدنية عليها؛ نريد التغلغل في دوائر الحكم والإدارات والمصالح فإن الله لم يحرمنا القوة الفكرية التي جاد بمثلها على الرجل. ونحن نجيب السيدات بحقيقة إن أنكرها العاملات منهن كنّ كاذبات مكابرات، فنقول وهل هذه الأعمال على اختلاف مظاهرها سوى محراث يحتك بالأرض القاسية وهو يرتوي بعرق العبودية والشقاء؟ أليس الرجل في الحكم والإدارة والتجارة والصناعة مرتبطاً بمحراث العبودية لهذا التراب يعالجه لاستخراج الخبز بعرق الجبين؟ وهل الأم تملأ البيت نوراً وحكمة وشعراً مستندة إلى ذراع زوجها ومنحنية على سرير طفلها أقل مجداً أمام الحياة من أكبر رئيس لأعظم مصلحة من مصالح الشعوب؟
ليس في العالم رجل عامل، أيا كان عمله لا يخضع إرادته لمن فوقه ولمن حوله، بل ولمن دونه في مراتب الهيئات العاملة، فليس ما تتوهمه المرأة حرية في أعمال الرجال إلا عبودية لهم. على أنه إذا تسنى للرجل أن يحتفظ بشيء من الكرامة لنفسه في هذه العبودية، فإنه ليمتنع على المرأة ألا تصطدم في مواقفه بإهانات أخف منها أثقل ما يمكن أن يلحقها من القيمين عليها، آباء أو أخوة أو أزواج.
لقد كان حق المرأة في جميع العصور تابعاً لحق الرجل وهو يسود عليها، إلى أن طرأ على أوربا انقلابها المعروف في بداية القرن التاسع عشر، فنشأ في المجتمع حق جديد غريب في عناصره، هو حق المرأة منفصلاً عن حق الأسرة التي يرأسها الرجل، وهكذا شاهدت الشمس ما لم تشهد مثله في أي عصر من العصور الغابرة: شاهدت النوع البشري منشقاً إلى فريقين متناظرين يتناطحان في الميادين العامة، بعد أن كان هذا النوع لبشري إنساناً واحداً من جسدين مندغمين ينبثق من اندغامهما فجر الحياة.
أما منشأ هذا التطور فانقلاب خطير لم يصور فجائعه أحد كما صوره الشاعر الخالد الفرد دي ميسيه، فإذا ما اقتطفنا بعض عباراته لا نخرج عن دائرة الموضوع الذي نحاول الإلمام بأطرافه.
قال: (في إبان الحروب الإمبراطورية، بينما كان الآباء والأخوة في بلاد الألمان قذفت الأمهات المضطربات بسلالة شاحبة جاءت الوجود عنيفة مستعرة الأحشاء.