لكن المشكلة لم تتطور وتتعقد إلا بعد وفاة تشاترتن، فقد جمعت هذه الأشعار ونشرت في مجلد خاص، كما بينا، سنة ١٨٠٣؛ فأحدث نشرها ضجة صاخبة في عالم الأدب لم تخمد حتى يومنا الحاضر.
عندئذ بادر علماء اللغة إلى دراسة لغة هذه الأشعار دراسة وافية دقيقة، استطاعوا بها أن يكشفوا بعض الكشف عن حقيقة الأمر. فقد توصلوا في بحثهم إلى الاعتقاد الجازم بأن لغة هذه الأشعار لا يمكن أن تنسب إلى الشاعر رولي، إذ كيف يصح ذلك وكثير من مفرداتها لم تتسرب إلى اللغة الإنكليزية إلا بعد القرن الذي عاش فيها الكاهن رولي؟
وأخيراً استدلوا من بحثهم العميق على أن تشاترتن كان يعتمد في كتابة أشعاره على قاموسين في الاشتقاق للعالمين اللغويين بيلي وكَرْسي فقد كان دأبه في بدء الأمر جمع كل ما تقع عليه يده من المعاني والمفردات القديمة البالية؛ ثم كان ينحت ما يستطيع نحته منها، إذا رأى أن الوزن والقافية لا يستقيمان بغير ذلك.
ولقد أدرك علماء اللغة، وخاصة العلامة اللغوي الشهير ولتر سكيت أنه كان يكتب أولاً بلغة عصره، وبعد ذلك يحوله بمضاعفة حروف المفردات وغير ذلك من السبل الحاذقة إلى أسلوبه ولهجته الخاصة، بطريقة يحافظ فيها على جمال الأسلوب الشعري وروعته الفنية.
ولقد عثر علماء اللغة في شعر تشاترتن المنسوب إلى رولي على اقتباسات من شعر سبنسر وشكسبير، ودرايدن وبوب، وقري، لكنها موضوعة بطريقة لا يشتم منها سرقة أدبية، وإنما تدل على ذاكرة حادة، وعتْ هذه الأشعار، وأرسلتها في شتى المناسبات، بطريقة يتعذر معها على القارئ التمييز بين ما هو لتشاترتن، وما هو لغيره. وذلك مما يدل كل الدلالة على أن هذه الأشعار من نظم تشاترتن، لا الشاعر الخيالي رولي. إذ كيف يصح ذلك، ورولي - في رأي تشاترتن - عاش في عصر متقدم على هؤلاء الشعراء جميعاً؟
ومما زادهم ريبة وشكاً في أمر هذه الأشعار الرولية، إدراكهم - على ممر الأيام - حذق تشاترتن ومهارته في تقليد أساليب الكتاب والشعراء المعاصرين تقليداً يتعذر معه على القارئ التمييز بين أدب تشاترتن وأدب غيره. فكان مثلاً ينشر في مجلة & ومجلة مقالات رائعة، حاكى فيها أسلوب جونيس محاكاة مدهشة؛ ليس هذا فحسب، بل دفعه حذقه