- (وماذا تريد من عمر بن الخطاب في هذا البرد القارس؟).
- (لا شيء. . . فقط. . . ذكرته في جاهليته وقد خرج الفجرَ ليدس ابنته في التراب وكانت الطفلة تعبث بشعر ذقنه فينظر إليها ويبكي. . مسكين سيدنا عمر! كان له حق! كان له حق.
- (كان له حق حين ذهب يدفن ابنته حية؟! يا للقسوة؟).
- (والله كان له حق يا عبد الله! البنات! آه من البنات يا بني!).
- (استغفر الله يا شيخ! مالك مضطربً هكذا يا عم حامد؟).
- (أستغفر الله!؟ صحيح! أستغفر الله، أستغفر الله).
- (الله أكبر. . . ما هذا الدم يا عم حامد!).
- (دم! أيّ دم؟ آه! هذا من جرح بسيط في ذراعي يا عبد الله).
- (وماذا جرح ذراعك؟).
- (وقعت على هذا الحجر وأنا أتوضأ، وكانت عنده زجاجة. . . هل بذرتم البرسيم؟).
- (بذرنا البرسيم؟ نحن (نعلف) بهائمنا منه وأنت تسأل عن بذره؟ ماذا بك يا عم حامد؟).
- (لا شيء! اتركني يا عبد الله! أود أن أنام قليلاً، أنا متعب يا بني، لم أنم طول الليل. . .).
- (السلام عليكم يا عم حامد، كان الله في عونك! كان الله في عونك يا شيخ).
وانصرف الشاب الفلاح وفي قلبه وسواس يشغله؛ فهو لم يعهد عم حامد، الرجل الطيب، كما عهده اليوم شديد الحيرة بادي الارتباك مغبر الوجه؛ وعهده به الشيخ الهادئ الدمث المشرق الجبين الضاحك المُحَيَّا؛ ولكن الشاب مع ذلك لم ير أن يلحف حتى يقف على سر الفلاح الشيخ، الذي لا يوجد في القرية بأكملها من يصلي أكثر منه، أو يعطف على الضعفاء والمحتاجين كما يعطف هو على الضعفاء والمحتاجين. . .
ثم تعب عم حامد من كثرة ما صلى وناجى ربه، فنام على الحشيش اليابس المنتثر في المصلى، وطرح فوقه ذلك (البشْت) الذي صنعه بيديه من الصوف الغليظ الذي لا يُرى الشيخ إلا وهو يغزله، واسترسل في سبات عميق ممتلئ بالأحلام المخيفة والرُّؤى الدامية.
وأقبلت فتاة جريحة. . . فلاحة ساذجة، تضع فوق رأسها (طرحةً) من الشاش الأسود