للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسبلة على العنق الطويل المربوط برباط كبير من الشاش الأبيض انتفخ القطن من تحته ليدل على جرح كبير في مكان خطر؛ وربطت كذلك ذراعها اليسرى كما ربطت عنقها.

أقبلت هذه الفتاة نحو المصَلى، ووقفت عند رأس عم حامد تنظر إليه في ذلة و؟ انكسار، وترسل من عينيها الدعجاوين دموعاً كالمطر حارَّة سخينة كأنها تفور من قِدْر تغلي. . . وكانت ثيابها البسيطة تزيد في جمالها الهادئ الحزين، وتبرز من الصدر ثديين ناضجين ينحدر عليهما الجلباب الفضفاض فيجعلهما كتماثيل مختار، وتبدي من أسفل قدمين صغيرتين بَلُّوريتين هدأ على كعبيهما خلخال كبير فضي تمتاز به أقدام الغيد الأماليد من قرويات مصر، وهو دائماً فتنة الأنظار في الريف المصري. على أن وجهها الشاحب المنزعج كان هو الآخر فتنة المفاتن! حاجبان رفيعان مقوسان تحت جبين ناصع فوق عينين كبيرتين حوراويْن، تضاعف سحرهما أهداب طويلة كحيلة، تلقي ظلالاً من الجمال المصري على الخدين البارزين المثمرين. . . كأنما خلقها الله محوراً لأمور جسَام تقع في ذلك البيت الصغير من تلك القرية الكبيرة البارزة في ريف المنوفية، توكيداً لخلق الفلاح المصري الذي يقدس العفاف في الفتاة، ولا يسمح أن يُفتَحَ قلبها إلا عن طريق أبويها.

وكان عم حامد يتقلب على شوك أحلامه، ثم استيقظ فجأة ليرى فوق رأسه (ثُريّا) ابنته. . . ثريا. . . التي حسب أنه قتلها وعشيقها بمحشّته الكبيرة. .

وفرك عينيه مرتين أو ثلاث مرات، ولكنه تأكد أنها هي. . . هي ثريا من غير شك.

- (بنت؟. . .).

- (. . .؟. . .).

- (ثريا؟!).

- (أبي. . .).

- (وكيف تركت محمود؟).

- (حالته خطرة جداً. . . قد يموت بعد ساعات).

- (آه. . . يا رب. . . يا رب. . . يا لطيف! غفرانك يا لطيف!).

وصمت لحظة، ثم نادى ابنته. . .

- (ثريا. . . سامحيني يا ثريا. . . سامحيني يا ابنتي. . . سامحيني. . . قولي الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>