للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسامحك يا أبي. . . قولي. . . الله! لماذا تبكين؟ الجروح تؤلمك؟ لا، لا. . . ستشفى هذه الجروح إن شاء الله. . . تعالي يا ثريا، تعالي، اجلسي إلى جانبي؛ تعالي، أنت خائفة! اطمئني يا بُنَية! اطمئني. . . لقد غسل دمك ودم محمود كل ما كان في قلبي من غيظ. . . الله يشفيه محمود ابن خالي، هل كنت تحبينه يا ثريا؟).

- (والله يا أبي لقد كان يبشرني بأنه سيخطبني إليك اليوم!).

- (لا حول ولا قوة إلا بالله! ولكن! على كل حل كان يجب ألا تسمحي له بتقبيلك. . .

أنا ظننت، لا سمح الله، أن بينكما. . . (شيئاً حراماً)!).

- (لا والله يا أبي، ما كان بيننا إلا كل طهارة).

- (لا عليك يا ثريا إذن. . . الله يشفيه يا بنية ويتزوجك وتتمتعان بشبابكما. . . لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا (أخطأت) لا ريب في ذلك. . . صحيح، أنا تسرعت. . . ولكن الحمد لله. . . لا بد أن أصلي ركعتين شكراً لله على سلامتك يا بنتي!).

وذهب عم حامد إلى الماء وتوضأ ثم راح يصلي صلاة خاشعة هادئة منظمة.

لقد كانت خلية من النحل تطن في رأس ثريا من أجل محمود، فلقد كانت تحبه، بل تعبده؛ ولقد كان يحاول أن يحملها بين ذراعيه الواهيتين الضعيفتين بعد أن فاجأهما عم حامد يتناجيان في منزله الخالي، فضربهما بمحشته تلك الضربات التي حسبها قضت عليهما، وغسلت عن عرضه عار الفضيحة التي زعمها تلحقه في ابنته. . . ولكن محموداً، القوي الجبار ذا العضل، عجز حتى عن حمل نفسه، لأن جروحه كانت أكبر، ولأن الدماء ظلت تتفجر منها وتنهمر، فسارت ثريا إلى جنبه تسنده على رغم ضعفها وإعيائها حتى بلغا دار حلاق الصحة القريبة، حيث وجداه يطبب فلاحين كثيرين ثمة، وحيث كان ابنه يضع (العَلَقَ) على أورام العجائز، أو يعالج الحمص في مرضى مساكين.

- (عم أبا طالب. . وحياة أبيك تلحق، اربط جروح ثريا، و. . . جروحي بعد ذلك. . .).

- (لا. . . لا يا عم أبا طالب. . . الحمد لله. . . عليك بمحمود أولاً!).

ولم يكن أحد من المرضى الكثيرين في دار عم أبي طالب من أهل القرية لحسن حظ الجريحين، فكانا يتكلمان بجرأة وصراحة، وأراد عم أبو طالب أن يصيد سمك الجنة من دماء الفتى والفتاة، فقال: (الله أكبر، ما هذه الجروح؟ هذه جناية بالتأكيد! لا بد أن أُبلِّغ!

<<  <  ج:
ص:  >  >>