للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سأبلغ الشرطة لضبط الحادثة. .) وترك ما يشغله من عمل بالفعل، ثم لبس معطفه الكحلي الكبير ويمم شطر الباب يوهم الجريحين أنه منصرف إلى مركز الشرطة للتبليغ عن الحادث.

- (يا عم أبا طالب! يا عم أبا طالب! خذ من فضلك!).

وكان صوت محمود وهو ينادي حلاق الصحة ضعيفاً وانياً.

- مالك يا سيد محمود؟ هذه جنية ولا بد أن أبلغ. . .

ثم اقترب الحلاق من الجريح البائس الذي لم يكن يمتلك أكثر من عشرة قروش، ومد يده.

- (هاك (بريزة) يا عم أبا طالب، ولما (أخف وتخف) ثريا. . .).

- (بريزة! م شاء الله، والله إنها مسألة لا يكفيني فيها جنيه وغرارتان من الأرز. . .).

- (لك ذلك يا عم أبا طالب. . . أسرع وحياة أبيك).

ورفضت ثريا أن تضمد جروحها قبل محمود، وحاول محمود أن يؤثرها على نفسه ولكن الحلاق الذي لا يعرف هذه العواطف تقدم بقطع القطن والشاش القذر وصبغة اليود والمرهم، فضمد جروح الفتى، ثم جروح الفتاة).

- (كيف حال محمود يا عم أبا طالب؟).

- (اسكتي، حالتك أحسن منه بكثير، مسكين، ربما لا يأتي عليه ثاني يوم يا. . .

على كل حال الجنيه وغرارتا الأرز لا آخذهما إلا منك. . . وإلا. . . فالفضيحة إن شاء الله!!).

- (ربنا يستر يا عم أبا طالب. . . إن شاء الله ربنا يشفي محمود، ويرى خاطرك).

وتركت ثريا حبيبها في منزل الحلاق وتهالكت على نفسها إلى الحقل لتلقى أباها، لأنها أعرف به، ولأنها واثقة أن ثورة الغضب التي سيطرت عليه لابد أن تكون قد هدأت وسكنت ريحها. . . ثم هي عارفة بورعه وتقاه وقلبه المؤمن الذي لا يحب لصاحبه أن يكون سافك دماء زكيه بغير جرم غير الظن، وكم من الظن ما هو إثم لو تدبر صاحبه. . . ذهبت إليه إذن. . . وكانت ألف فكرة تزدحم في رأسها طيلة الطريق. . . (تُرى؟ كيف أكلمه؟ وكيف أبدأ حديثي معه؟ هل سكن روعه؟ أم هو حين يراني ما أزال على قيد الحياة يثور ثائره ويتمم المأساة؟ آه يا ربي! أنحلم بالزواج وتأبى المقادير التعسة إلا الفضيحة؟. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>