القرن الخامس قبل الميلاد تمجيدا لآمون، والمعبد عظيم الامتداد شامخ العمد فاخر البنيان يكاد يحاكي معابد الكرنك. وهناك مدافن رومانية قديمة بها بضع مئين من المقابر أقامها الروم من اللبن في قباب صغيرة تزينها في البعض صور القديسين وفي البعض الآخر أشباه البوائك والأعمدة. وسكان الواحات يمتون بصلة إلى المصريين القدماء وإلى الرومانيين، وقد لاحظت ذلك في سحنهم المصفرة وتقاطيعهم النحيلة الممطوطة، ولا يزال للعائلات الرومانية الصرفة هناك بقية في اثنتين: عائلة الصنديدية، عائلة الأدارسة. ويمتازون بأدمغتهم المنبطحة من نواصيها. والعجيب أن أهل البلاد اعتنقوا الإسلام جميعا فلا تجد منهم مسيحيا واحدا ويظهرانهم اسلموا مجبرين وكانوا يعتصمون بالصحراء هروبا من أراضى الريف وما أثقلها من ضرائب إبان حكم المماليك، وهم لا يزالون يحتفظون بالكثير من الشعائر المسيحية رغم انهم مسلمون، فمثلا شاهدتهم يعدون سعف النخيل الأبيض لضفره في أشكال عدة احتفالا (بحد الزعف) على نحو ما يفعل إخواننا الأقباط هنا. وبينهممسجد ذو مئذنة قصيرة كان من قبل كنيسة.
ومن أعجب ما راقني مباني القوم ومساكنهم فهي من طابق واحد أو أثنين تبنى باللبن وتتجمع كلها في كتلة واحدة تشقها سراديب سقوفها واطئة لا يستطيع الإنسان السير فيها الا منحنيا ولياتها من الأعاجيب، ولا تتخللها فتحات أو نوافذ قط، لذلك كانت حالكة الظلام في رائعة النهار، ومنها ناحية يسمونها (الهدرة) أرضها صخرية زلقة مغضنة وعرة. وسط ذاك الظلام الدامس زلقت قدماي فيها مرتين. ولقد كانت تلك السراديب وسيلة من وسائل الدفاع ضد غارات البدو والدراويش الذين طالما باغتوا البلاد بغاراتهم، فكان الواحد من الآهلين يعتصم بتلك المفاوز ليمنع العدو من اختراق حرمة داره، وفوق ذلك فهي تقيهم وهج الشمس المحرقة صيفا، ولما رأت مصلحة الصحة اليوم ما يخلفه ذلك الضيق والظلام من الأوساخ وخطر الأمراض، فتحت خلال الطرق كوى صغيرة في مسافات متباعدة أنارتها اليوم بعض الشيء على إني رغم ذلك كنت أسير في سراديب كأنها السرابيوم أو التيه ظلاما ووحشة، وكثيرا ما كنت اصطدم بالمارة خصوصا عند مفاجآت الثنيات العديدة لتلك المفاوز. وقد استرعى نظري السقامون وكلهم من مكفوفي البصر، يسيرون في تلك الطرق بخفة عجيبة وعلى ظهورهم قرب الماء، ولا يخطئون البيوت ولا تزل أقدامهم أبدا. ولقد