للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالأسف، وفقاً لمختلف الظروف والأحوال؛ وما يزال شبح العود الذي لا يفارقك منذ اليوم الذي تغادر فيه الوطن يلوح لك، ويقوى كلما ضعف سحر التجوال، حتى يحل دور السأم؛ وعندئذ يجذبك الوطن إليه بكل ما فيه من تأثير وسحر، ويغدو العود سعادة تسارع إلى اجتنائها.

وهانحن نعود إلى الوطن سعداء بالعود.

ولقد غادرنا الوطن في ظروف دقيقة تبحث فيها قضيته، وتعالج مصايره على يد زعمائه الأوفياء، فكنا خلال المرحلة نتطلع إلى أنباء المفاوضات المصرية الإنكليزية ونتلقفها حيث كنا وأنى استطعنا؛ وكانت الصحف والأنباء الأوربية ضنينة بها كل الضن فلا تنشر عنها إلا كلمات يسيرة؛ وكانت الصحف الإنكليزية بالطبع أكثر تحدثاً عنها؛ وكنا كلما شعرنا خلال السطور بأن أزمة تعترض المفاوضات زدنا لهفة وقلقاً؛ فلما جاءت الأنباء بأن الأزمات كلها قد ذللت، وبأن المعاهدة قد وقعت بالحروف الأولى، وبأن وفد مصر سيمثل إلى لندن، هللنا وكبرنا، وفاضت نفوسنا أملاً واستبشاراً؛ ولما جاء يوم الأربعاء السادس والعشرين من أغسطس، وهو اليوم الذي حدد لتوقيع المعاهدة لبثتا - ونحن في فينا - ننتظر النبأ الخطير بفارغ الصبر، وكان الراديو أسبق المصادر إلى إذاعته في مساء نفس اليوم؛ وفي صباح اليوم التالي ظهرت الصحف النمساوية وفي صدرها نبأ توقيع المعاهدة، ووصف موجز للعبارات التي تبادلها زعيم الأمة المصرية ومستر إيدن وزير الخارجية الإنكليزية؛ ثم توالت الأنباء بعد ذلك عن استقبال مصر للحادث المشهود، واحتفائها به احتفاء يتفق مع عظمته وخطورته، فكان أكبر أسفنا أننا لم نكن بمصر في تلك الأيام التاريخية لنشهد بأعيننا ذلك المنظر الرائع: منظر أمة تستقبل وثيقة تحريرها وتعلن ابتهاجاً بما جنت من ثمار جهاد طويل وشاق.

ومن غرائب الاتفاق أن تكون نفس الفترة التي تمت فيها المفاوضات بين مصر وإنكلترا ووقعت معاهدة الصداقة المصرية الإنكليزية، أعني ما بين يوليه وأغسطس هي نفس الفترة التي شهدت فيها مصر ضياع استقلالها وحرياتها منذ أربعة وخمسين عاماً.

الله أكبر! لقد دخلت مصر في عهد جديد وافتتحت صفحة جديدة من تاريخها.

فرعى الله مصر في عهدها الجديد، ووفقها على يد زعمائها وقادتها الأوفياء إلى تحقيق ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>