للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العمى ورسوخاً في الجهل، وضياعاً للحقائق، وتكاثفاً في الحجب على محيا الشريعة الغراء، مثل تكاثف الغيوم السوداء على جبين الشمس. ويعرف كل ذي لبّ: أن (مصر) قد سبقت الأقطار العربية في كثير من أسباب الحضارة، فدخلت قبلها في أكثر أبواب الثقافة، ولها فضيلة السبق إلى التطور الحديث والأنظمة الجديدة - إن في الأدب أو في العلم والتعليم، أو التأليف والنشر، أو غير ذلك من أبواب المعارف.

ولكني أتنسم أن العناية قضت أن يكون لها السبق أيضاً حتى في نشر ما قبرته قرون الجهل والعصور المظلمة من الفقه الإسلامي وأحكامه الصحيحة وكشف ما تراكم على محياه من غيوم الأوهام وتحطيم تلك القيود والأغلال وطرحها عنه، وأحد شواهدي على ذلك - الكتيب الصغير، وأقول: الصغير على حد قوله:

إن الكواكب في علو محلها ... لترى صغاراً وهي غير صغار

ذاك كتاب (نظام الطلاق في الإسلام)، وكان مؤلفه الأستاذ العلاَّمة أهدى إلي نسخة منه. وبعد أن طالعته مرة أو مرتين راقني وأعجبني؛ ولا أقول: أعجبني دقة بحثه، وبراعة تحقيقه، ولطف أسلوبه، واعتدال سليقته، وأن كان حائزاً على أوفر نصيب من كل ذلك، وإنما الأمر الذي يوشك أن يكون قد تفّرد به وامتاز - هو صراحته وبسالته ومشيه على ضوء دلالة الكتاب والسنة، وعدم مبالاته بما اصطلحوا عليه من الإجماع الذي جعلوه آلة تخويف ومهماز تهويل، وإن قام على خلافه الدليل. يعرف هذه البسالة أهل هذا الفن ومن خاض لجج تلك الغمرات.

كان بعض أساتيذي العظم وقد انحصرت به في أواخر عمره مرجعية تقليد الأمامية في سائر الأقطار، وحاز من النفوذ والإكبار - ما قلما كان يتفق من السلف - وفي الوقت نفسه كان يقول:

وددت لو أعرف سنة وفاتي حتى أعلن وأجاهر بفتاوى في نفسي يساعد عليها الدليل، وتخفف عن المسلمين العبء الثقيل. فكأنه رضوان الله عليه - كان يخشى من إفشاء تلك الفتاوى حدوث الضوضاء من جهل العامة وجمود الخاصة المتسلحة بدعوى تلك الاجماعات. وكم لتلك الكلمة من الأكابر من نظائر!

فمثل - طلاق الثلاث، وطلاق الحائض، والحلف بالطلاق والعتاق وأمثالها من القضايا

<<  <  ج:
ص:  >  >>