التي لم تزل من عهد قديم من المسلمات الرائجة عند جمهرة المسلمين، ويُدعى اتفاق المذاهب الأربعة عليها، فإذا نهض رجل في هذا العصر يهدم تلك المباني الراسخة بمعول الحجة البالغة والبرهان القاطع، أفلا يكون شجاعاً باسلاً وعالماً تحريراً؟
نعم طالعت الكتاب فما سنح لي موضع للملاحظة والتعليق عليه إلا في اختياره وجوب الإشهاد في الرجعة كوجوبه الطلاق، واستغرابه من علماء الإمامية الفرق بينهما، فكتبت إليه كتاباً في بيان الفارق بينهما من ناحية الدليل تارة ومن ناحية الاعتبار أخرى، فكنت أحسبه كتاباً خصوصياً لا يتجاوز حظيرة ما بيني وبينه؛ ولكن كأن مروءته، وكأن شهامته، وكأن حبه للخير وتعميم الفائدة دفعته إلى نشره والتعليق عليه؛ فما أنا ذات يوم إلا وبعض شباب النجف من تلامذة المدارس يقول لي: إن مجلة (الرسالة الغراء) نشرت كتاباً لكم مع الجواب عليه. . . وحيث أن صديقنا الأستاذ الزيات حفظه الله منذ حمل الرسالة، وأنشأ مجلتها الزاهرة، لم يتكرم بإتحافنا بها كما يصنعه جملة من الصحافيين الكرام، لذلك استعلمنا من ذلك الشاب مظانها، فذكر المكتبة العامة الحكومية في النجف الأشرف، فأوعزنا إلى إدارتها فأرسلت إلينا عددي ١٥٧ و١٥٩ فقط؛ نظرت فيهما المقالين نظرة خفيفة ثم استرجعتهما الإدارة عملاً بقانونها، ولكن بعض أبناء أعيان النجفيين الذين في بغداد أرسل إلي عفواً من غير طلب الأعداد الثلاثة، فوجدت بع إعادة النظر فيها أن الأستاذ السابق الذكر قد أسهب في الجواب عما قدمنا إليه في الكتاب. وفي الحق أنه قد استفرغ وسعه وبذل جهده وأحاط بالموضوع من جميع أطرافه شأن المجتهد الفقيه الذي يلزمه في سبيل استنباط الحكم الشرعي استفراغ الوسع، واستقصاء النظر، وبذل أقصى الجهد في تحصيل الدليل على الفتوى من الكتاب والسنة وكلمات العلماء. وهكذا صنع الأستاذ سدده الله فيما ذهب إليه من وجوب الإشهاد على الرجعة والتقصي عما أبديناه من الفرق، فقد حشد زمرة من كلمات الأساطين وجملة من الروايات والأحاديث التي يراها تشهد بصحة دعواه. . . وحيث أن من سجيتي التجافي عن إطالة المناظرة وتسلسلها خوفاً من أن يؤدي ذلك الجدل والمراء وحب الغلب بحق أو باطل، وإذا أبديت رأيي في موضوع فلست بملتزم أن يقبله كل أحد، ولا يلزمني أن أدفع كل ما يقال عليه، وإنما علي أن أحتج وأقول، ولغيري حرية الاختيار في الرد أو القبول. ولذلك لا أريد هنا أن أتعقب كل جملة مما ذكره الأستاذ