بالمناقشة والمناوشة فيكون ذلك تطويلاً ولعله من غير طائل، ولكني أيضاً - شغفاً بنشد العلم وتعميم الفائدة أريد أن أؤسس قاعدة أصولية فقهية ينتفع بها الفقيه والمتفقه في مقام الاستنباط، ويرجع كل منهما إليها عند الحيرة والارتباك، مستفادة أيضاً من ذات الكتاب والسنة، وهي أنه إذا قام الدليل الشرعي من كتاب أو سنة احتمالان متكافئان لا يترجح أحدهما على الآخر بمرجح داخلي أو خارجي، هنالك ينظر الفقيه إي الاحتمالين أسهل على العباد وأيسر في مقام العمل، فيلزم الأخذ به والفتوى على طبقه، لما ورد في الأدلة العامة من أن الشريعة الإسلامية مبنية على الرفق والتسهيل، مثل قوله تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله عز شأنه: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله صاحب الشريعة: (جئتكم بالشريعة السمحاء) وقوله: (يسروا ولا تعسروا) وكثير من أمثال ذلك.
ونضرب لذلك مثلاً فنقول: قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) قام فيه احتمالان: احتمال العود إلى الطلاق فقط، واحتمال العود إليه وإلى الرجعة المشار إليها بقوله تعالى (فإمساك بمعروف). فلزوم الإشهاد في الطلاق متيقن على كلا التقديرين، أما في الرجعة فمحتمل لزومه ومحتمل عدمه. ولو تنازلنا مع الخصم وقلنا بتكافؤ الاحتمالين من حيث نفس الآية، وأغمضنا عما قلناه من دلالة السياق على اختصاصه بالطلاق فقط، وإن الرجعة والإشهاد كليهما من أحكام الطلاق وهما في رتبة واحدة، فلو كان الإشهاد واجباً في الرجعة للزم أن يكون ما هو في رتبة الشيء متأخراً عن ذلك الشيء ضرورة تأخر الحكم عن الموضوع، فيكون الشيء متقدماً ومتأخراً - حكماً وموضوعاً - وهذا خلف وإحالة، وتناقض في الدلالة. ولكن أغمضنا عن ذلك كله وقلنا بتكافؤ الاحتمالين، فاللازم بحكم تلك القاعدة الأخذ بأسهلهما وأقلهما كلفة وهو عدم لزوم الإشهاد. وقد تقرر في فن الأصول أيضاً أنه إذا تعارضت الأدلة أو تزاحمت الاحتمالات فالمرجع الذي يستراح إليه هو الأصل المقرر في ذلك المورد. ولا ريب أن الأصل في المورد هو عدم الوجوب وعدم اللزوم، ويعضد ذلك ما يزيح العلة ويقطع دابر الشكوك والأوهام. ذاك ما ورد في أخبار أهل البيت سلام الله عليهم مثل ما في صحيحه محمد بن مسلم قال: سئل أبو جعفر الباقر (ع) عن رجل طلق امرأته واحدة ثم راجعها قبل أن تنقضي عدتها ولم يشهد على رجعتها، قال: هي