امرأته ما لم تنقض العدة. وقد كان ينبغي له أن يشهد على رجعتها. وإن كان جهل ذلك فليشهد حين علم. ولا أرى بالذي صنع بأساً، وإن يشهد فهو أحسن. وفي أخرى: يشهد رجلين إذا طلق وإذا رجع. فإن جهل فغشيها فليشهد الآن على ما صنع وهي امرأته؛ وإن كان لم يشهد حين طلق فليس طلاقه بشيء. وفي ثالثة: الطلاق لا يكون بغير شهود، والرجعة بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل، وعلى هذا النمط أخبار أخرى كثيرة صريحة في الفرق بين الطلاق والرجعة، وأن الأول لا يصح وليس بشيء بدون الإشهاد بخلاف الثاني غايته أنه يستحب في الرجعة الأشهاد، وهو استحباب إرشادي معلوم المصلحة وهي الحذر من الجحود وإنكار الزوج أو الزوجة مشياً مع الأغراض والأهواء التي قد تتفق لأحدهما. مثل هذا لا يصلح أن يكون علة للوجوب، فأن الإلزامات الشرعية وجوباً أو تحريماً إنما هي لأحداث الدواعي إلى فعل الواجب واجتناب الحرام. فإذا كانت الدواعي في الغالب حاصلة في النفوس فلا مقتضى للإلزام. ألا ترى أن الله سبحانه قال في كتابه الكريم:(وأشهدوا إذا تبايعتم) ولكن الفقهاء من الفريقين اتفقوا على الظاهر، على أن الأمر هنا للاستحباب وأنه إرشادي محض، لأن الدواعي للإشهاد ولاسيما في الأموال الخطيرة كالعقار والضياع وأمثالها متوفرة عتيدة، فلا حاجة إلى إلزام الشارع به بعد أن كانت الناس مندفعة إليه بأنفسها حرصاً على الضبط واستعداداً للطوارئ من جحود وإنكار. فأمر الشارع بالإشهاد إرشاد إلى أمر واقع، وتحفظ لازم، وليس معناه أن البيع باطل بدون الإشهاد، بل معناه أنك إذا تبايعت بغير إشهاد فقد غررت بنفسك، وخاطرت بمالك فلا لوم إلا عليك. وهكذا الأمر بالإشهاد في الرجعة إذا خشي كل منهما إنكار الآخر فأنه يندفع إليه طبعاً، وينساق له قسراً.
والإشهاد في الطلاق ليس لهذه الغاية فقط، وإلا لكان حاله كحال سائر العقود والإيقاعات كالبيع والإجارة والصلح والعتق والوقف، فلا شيء من هذه وغيرها يجب فيه الإشهاد سوى الطلاق لحكمة هي أدق وأعمق، وهي ما أشرنا إليه في كتابنا السابق. وكذا النكاح لا يجب الإشهاد فيه عندنا بحيث لا يصح بدونه، ولكن النفوس منساقة ومجبولة على الإشهاد فيه للضبط والاستعداد للطوارئ من ميراث وغيره. وأحسب أن هذا البيان سيكون كافياً عما أفاده الأستاذ في ملاحظته الأخيرة إذ يقول صفحة ١٣١٩ من المقال المنشور في