للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أذاهم، ينذرهم بطش الله، ويعدهم إذا أسلموا ملك فارس والروم، ويعدهم جنة عرضها السماوات والأرض، وهم ماضون في إعراضهم، لا يتدبرون القرآن، ولا تخشع له قلوبهم التي هي أشد قسوة من الحجارة (وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهارُ، وإِنَّ منها لمَا يشَّقَّقُ فيَخرُجُ مِنْهُ المَاءُ، وَإِنَّ مِنْها لمَا يَهبطُ مِنْ خَشْيَةِ الله) يا لهذه القلوب التي هي أغلظ من الجبال! (لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ). وهذه القلوب التي أنزل عليها القرآن لا تخشع ولا تلين!

طلعت الشمس على وادي مكة أربعة آلاف وأربعمائة وأربعا وعشرين مرّة والمشهد واحد لم يتغير.

نبي الله يدعو الناس إلى الله، سراً وعلناً، فرادى وجمعاً، ليلاً ونهاراً؛ وبنو قريش يناوئونه ويحاربونه ويؤذونه، يلقون الشوك في طريقه وهو ماشٍ، ويرمون سلى الجزور على رأسه وهو ساجد، ويُغرون به سفهاءهم وأحداثهم، ويفتنون في تعذيب المسلمين، وتخرق لهم أدمغتهم الشيطانية طرقاً في التعذيب تقشعر لهولها الأبدان، ويقاطعون المسلمين لا يكلمونهم ولا يبايعونهم ولا يزوجونهم، ويحصرونهم في الشِّعب سنتين، ثم يعدون عدد الجريمة الكبرى، يأتمرون بالنبي ليقتلوه، ويضيّعوا دمه في القبائل، فلا يقدر عليه بنو عبد مناف.

فختام الصبر على هذا؟ أيقف هؤلاء المشركون الجاهلون من رؤوس قريش وزعماء مكة في وجه الإسلام، الذي ما جاء لقريش ولا للعرب، ولا للقرن السابع الميلادي، ولكن جاء رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، في كل عصر وفي كل بادية ومصر؟ أهؤلاء يمحون الإسلام من الأرض محواً؟ يا للسخفاء المغرورين! (يُريدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) وينصر نبيه، ويظهر دينه (عَلَى الدِّينِ كُلِّه).

لم يعد في قوس الصبر مَنزَع، فليس الإسلام في طريقه - نحو أرض الشام - نحو الظلال والأعناب، فليستقر في الطريق، (في المدينة) حيناً، ثم ليخرج من يثرب، ليعم العالمين.

أيها المسلمون. . . هاجروا إلى المدينة!

أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا إرسالاً مستخفين مستترين، ينسلّون من مكة انسلالاً، فلا تدري بهم قريش، إلا وهم في المدينة على رأس الجيش الذي يسحق رؤوس الكفر في (بدر)، ثم يمضي إلى (فتح مكة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>