للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن عمر؟ عمر القويّ الذي ما لان للمشركين؛ عمر الذي أعلن إسلامه وذهب يضرب المشركين ويضربونه، ويجد في ذلك لذة وراحة؛ عمر الذي حماه خاله أبو جهل، وأجاره من أذى قريش، فضرب وجهه بجواره وأباه، وعاد إلى قريش يَضرب ويُضرب، ثم لا يكون إلا غالباً، يدفع عن نفسه، وعن المستضعفين من المسلمين.

عمر يذهب من مكة مستخفياً؟ معاذ الله يا عمر!

تهيأ عمر للهجرة، فتقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى بيده أسهماً، واختصر عنزته وذهب إلى المسجد، فاستقبل قريشاً بالسلاح الكامل، فطاف بالبيت سبعاً، ثم أتى المقام فصلى، ثم وقف على الملأ من قريش، فأعلن وحده الحرب عليهم جميعا. . . . فقال:

(شاهت الوجوه! لا يرغم الله إلا هذه المعاطس! من أراد أن يُثكل أمّه؛ أو يوتِم ولده، أو يُرمل زوجتَه، فليلقني وراء هذا الوادي!).

قال علي رضي الله عنه: فما تبعه إلا قوم من المستضعفين، علمهم ما أرشدهم، ثم مضى لوجهه.

- ٥ -

سيقول قائل: ما لعمر يعلن هجرته، ويمشي على رؤوس الأشهاد من صناديد قريش، والنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه يهاجران مستخفيين؟ أيكون عمر أشجع من النبي ومن أبي بكر؟

لا والله، ما هو بأشجع منهما، ولقد وقف عمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعد لم يسلم، ولم يجيء إلا ليقتله، فلما أمسك بتلابيبه ونتره، سقط على الأرض، على قدم النبي، وهو يرتعد من هيبته صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة - وفيهم عمر - إذا جد الجد، وحمى الوطيس، ودارت رحى الحرب، استتروا بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتموا به. ولما كانت الردة ورمت العرب عن قوس واحدة، وخاف الصحابة وخاف عمر، وأرادوا المسالمة والملاينة، قام أبو بكر وحده في وجه العالم وصارعه حتى صرعه. فكان عمر يعرفها له أبداً. . . فعلام إذن هاجر عمر جهاراً نهاراً! وهاجرا مستخفيين؟

إن في الأمر لسراً، هو غير الشجاعة والجبن، ذلك أن القائد العام عندما ينتقل من جبهة من جبهات الحرب إلى جبهة أخرى، لا يقف في الطريق على عدو، ولا يلقى حرباً، وإذا رأى

<<  <  ج:
ص:  >  >>