من شواغله أيضاً رغبته الملحة في نقل جثمان سيده (الإسكندر) إلى مصر، ابتغاء الفخر بحيازة جثمان العاهل العظيم، ولم يهدأ لسوتر بال حتى تم له ذلك، وبهذا خلا نهائياً من مشاغله الخارجية، وخصص كل عنايته بعد ذلك للمكتبة والمتحف اللذين نالا من ماله وانتباهه الشيء الكبير. ومن أمره أنه شغف مع المشغوفين بالدراسة والتصنيف؛ ومن المعروف عنه أنه وضع مصنفاً في حروب الإسكندر الأكبر التي ساهم فيها كأحد قوادها. ويصف (أريان) مؤلَّف سوتر بأنه من أدق المراجع وأوفاها في هذا الشأن، ويضعه في رأس كتب المراجع التي صدر عنها تاريخه، وقد يكون هذا حقاً، كما قد يكون ملقاً للملك المؤلف.
والمذكرات الخاصة التي يضعها القواد عن أعمالهم في الحروب يغلب عليها المبالغة، وحسن تقدير تلك الأعمال وتعظيم نتائجها مما قد يكون إغراقاً وتورطاً في الباطل، وهي لهذا لا يصح أن تتخذ سنداً من أسانيد التاريخ إلا بكثير من الحيطة والحذر. وينسب إلى نابليون الأول شيء من هذا في مذكراته التي كتبها عن نفسه، ولم يتحرر يوليوس قيصر من مثل ما ينسب إلى نابليون في مذكراته عن (الحرب الغالية).
ويذكرون أن سوتر كتب أيضاً عدة رسائل عن الشؤون العامة في عصره نشرها (ديونيسودورس) أحد تلاميذ (أرستاكاس) العالم الإسكندري، يؤسفنا أننا لم نعثر على شيء منها حتى الآن.
وفي أواخر أيام سوتر كان لا بد له من تسوية مسألة وراثة العرش، إذ كان له أكثر من وريث، وكان أكثر هؤلاء الوراث خطراً على العرش البطليموسي (بطليموس) ابن له من يونانية، أحذ ديمتريوس ملك مقدونية الموتور يشد أزره ويناصره على بطليموس (فيلادلف). وكان النزاع بين هذين الوريثين نزاعاً بين روحين مختلفتين: روح مصرية، وروح يونانية؛ وكان انتصار إحداهما على الأخرى انتصاراً لإحدى الروحين، وتحديداً لمستقبل البلاد. وكان ميل الملك الأب مع أبنه فيلادلف، وكان هوى الشعب مع الأخير إذكاء للروح القومية الجديدة التي بدأها وارث ملك الإسكندر في مصر سوتر العظيم، وإنهاضاً لمدينة هلينية الأصل حقاً، ولكنها من حق الإسكندرية، ومن جهدها وإحيائها. كان الملك الأول يأنس في الملك الابن فيلادلف سياسة مشابهة لسياسته، أساسها المحافظة على