الصبغة المشتركة التي جمعت بين اليونانية الهلينية والمصرية الفرعونية، والتي حرص البطالسة على التمسك بها كأساس لملكهم الجديد، لا مناص منه، إبقاء على دولتهم من أن تبيد.
والذي يتأمل كيف عنى سوتر بتربية ابنه فيلادلف على أيدي خير الأساتذة، يرى كيف كان يحرص على أن ينتهي ملكه إلى هذا الوريث دون سواه، وقد كان أن نزل سوتر لابنه فيلادلف عن العرش، ولكنه ظل يظهر في بلاط ابنه مدة عامين كأحد الرعايا، ومات عام ٢٨٣ ق. م مخلفاً على الزمن سجلاً حافلاً بالحوادث الجسام قَلَّ أن تتوفر لحاكم.
استطاع سوتر أن يركز دراسة العلوم والآداب والفلسفة والطب في عاصمة ملكه، ولكن هل استطاع أن يجعل الإسكندرية كعبة الفنون في هذا العصر؟
إذا كان لنا أن نحكم بالشواهد التي بين أيدينا وهي تلك النقوش البديعة التي ترى فوق العملة المتخلفة عن هذا العصر في دور العاديات، لما تأخرنا عن الحكم قطعاً بتقدم الفن في ذلك العصر؛ غير أنه لا يجب أن يغيب عن بالنا ونحن في هذا الصدد أن الفن الإغريقي كان عليه أن يغالب فناً من أقوى الفنون التي عرفها تاريخ العمارة هو الفن الفرعوني. والمشاهد بوجه عام أن المباني التي أقامها البطالسة خارج الإسكندرية روعي فيها أن تكون فرعونية الصبغة، ولكنها لم تخل من التأثر بالفن الإغريقي؛ ولم يكن للبطالسة من ذلك مناص، تشبهاً بالفراعنة وإرضاء لذوق الشعب المصري الذي لم تنسه الأحداث السياسية قوميته، ولم يمجد على مرور الزمن أبطالاً غير أبطاله، ولم يعرف عنه أنه أسلم القياد كله للمدنية الدخيلة، ولاسيما للجانب الديني منها، بل بقي محافظاً على دين أجداده محافظة تامة. لهذا ظلت المباني ذات الصبغة الدينية على النمط الفرعوني.
تأثر البطالسة بالديانة المصرية أكثر مما تأثر المصريون بالفن الإغريقي، ولذلك بقيت الصبغة المصرية كما أسلفنا ظاهرة في الفن الذي عرف عن العصر البطليموسي، إلا في الإسكندرية ذاتها، حيث كان كل شيء يونانياً صرفاً؛ فأقيم في الإسكندرية في هذا العصر المتحف والملعب والمسرح والسينما حيث دفن الإسكندر، وكانت كلها من غير جدال آية في إبداع الصنعة الإغريقية، رغم ما يحاول البعض إشاعته من تأخر الفن في هذه الفترة من الزمن.