والأدلة المادية على تقدم الفن الإغريقي في مصر في هذا الزمن ما أبدعته يد نحات لتابوت من الرخام البديع الصنع ما يزال محفوظاً في متحف القسطنطينية لملك مجهول الاسم من ملوك صيدا، هو تحفة من تحف الحفر وحذق الألوان، وتلك المشاهد التاريخية التي ترى محفورة على الأحجار تمثل المعارك بين الفرس والإغريق، إلى تلك الصور الرمزية التي قصد بها الإشارة إلى امتزاج الشرق والغرب عن طريق الحضارة الإغريقية، إلى مناظر الصيد وغير ذلك مما لا يفوقه سوى (البارثنون) في أثينا.
وأغلب الظن أن الإسكندرية بما توفر لها من سمو المكانة لا بد أن تكون قد استهوت أمهر البناءين، ورجال الفنون حيث بلاط سوتر وفيلادلف وعطاؤهما المغدق لكل من برز في ناحية من النواحي؛ ولا شك أن الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط لم تكن إلا من خلق هؤلاء الفنانين وإبداعهم.
وقد كتب م. شريبر مقالاً ممتعاً عن فن نشأ بالإسكندرية وتقدم فيها، وانفردت به، هو صناعة الأواني الذهبية والفضية التي تتخذ عادة مقياساً لتقدم الحرف اليدوية، والتي لا تزال شاهدة على قولنا بين محتويات دور الآثار. ويحاول هو أن يثبت أن الإسكندريين كانوا الأساتذة في هذا المضمار وفي غيره. ففي رأيه أن أسلاف (بنفنتو سليني) الإيطالي، والمدرسة الإيطالية التي زعيمها هذا الأخير حاكت فن الإسكندرية في الشعر والفن. وهو يدلل بقوة على حب الإسكندريين للطبيعة وتقديرهم لروائعها، وعلى أن الإسكندرية كانت حلقة الاتصال بين العلم والفن، وبين القديم والحديث، وبين الشرق والغرب. . . الخ.
ليس الفن في ذاته ناحية من نواحي نشاط جامعة الإسكندرية، ولا هو عادة يتصل بالدراسة الجامعية اتصالاً مباشراً، ولكنا سقنا هذه الكلمة القصيرة عن الفن الإغريقي الإسكندري، لأنه جانب من جوانب المدنية، كان يستلزم من الإسكندريين ولا شك إلماماً بالأصول الهندسية التي لا غنى لفن العمارة عنها. ونحن وإن كنا لم نحصل على ما نقطع الرأي به من أن الهندسة التي اشتهرت بها الإسكندرية منذ عهد اقليدس كانت تطبق ويستفاد منها عملياً في فن العمارة، إلا أننا نرجح إمكان استفادة الفن من هندسة إقليدس استفادة كبرى.
ولنا في بعض مقالاتنا التالية عود إلى نقل إيطاليا وخاصة جامعة (بدوا) في العصور الوسطى عن جامعة الإسكندرية نظامها والكثير من تراثها الفكري حيث شاع منها إلى