كان العذارى يخرجن من الكنائس بعد سماعهن قول بولس الرسول بالتستر وحجب الشعور والاحتشام والطاعة للقيمين، فيذهبن إلى المراقص نصف عاريات كأنهن الدمى الرومانية نفخ إبليس فيهن نسمة الحياة.
إن غريزة المرأة في الأصل لا تطمح إلا إلى الطريق الذي اختطه لها الناموس الطبيعي في تكوينها، وما أحبت امرأة رجلا إلا وكانت محبتها خيالاً سابقاً لمحبة الطفل الكامنة فيها.
وإذا كانت الفتاة قد لجأت إلى المواخير كما يقول الفريد دي ميسيه لتأكل بثدييها، وتلتقي هناك بمن منع على نفسه أن يكون قيماً عليها فأصبح مستثمراً لشقائها، فأنها لم تلبث أن تعودت إذلاله لها في عرضها فلجأت إلى العمل لتأكل بعرق جبينها احتفاظاً على الأقل بحق اختيارها للرفيق الموقت أو بحق التمرد على أنوثتها الكاسرة من عزتها، وهكذا بعد أن كان الفتى يلقى الفتاة التي تحول عنها المواخير ليذلها، أصبحت هي تلاقيه في ميادين الأعمال لتزاحمه متملصة من إذلاله.
سوف يأتي يوم وهو غير بعيد تنتبه المدنية فيه إلى أن الرجل الكامل الذي ينشده العلماء في الغرب لن يخلق لهم من التمرين لقوى العقل وقوى الجسد ولا من فحص الخلايا بالمجهر حتى ولا من التلقيح بالمواد الكيميائية أو غدد القرود، فيتحققون أن الرجل المتفوق إنما هو أبن الحب الصحيح؛ فالمحبة وحدها هي السبيل إلى إدراك الحق والقوة والجمال.
لندع العالم المتمدن يفتش بعلومه ونهضته على هذا الحب الذي تخيله كارل ماركس متجلياً في الحرية التامة للناس في أهوائهم فجاءت روسيا البلشفية تثبت انخداعه في نظرياته، ليقتنعوا أنهم لن يتوصلوا في تجاربهم إلا إلى العبر الزاجرة المؤلمة.
أما نحن أبناء هذا الشرق العربي الذي انبثق الحق فيه انصباباً من الداخل بالإلهام لا تلمساً من الخارج، فلنا المسك المفتوح منفرجاً أمامنا للاعتلاء والخروج إلى النور بعد هذا الليل الطويل، إذا نحن أخذنا بروح ما أوحاه الحق إلينا.
لا بترقية الزراعة والصناعة، ولا بنشر التعليم والتهذيب، ولا بجعل البلاد جنة في أرضها غنى وتنظيماً، تنشأ الأمة ويخلق الشعب الحر السعيد.
إن الجنين الذي يحمل أسباب شقائه وهو في بطن أمه لا يمكنه أن يصير رجلاً حراً قوياً يفهم حقيقة الحياة ويتمتع بالعظمة الكامنة فيها.