إن الاهتمام بإيجاد الطفل الصالح أولى من العمل لإعداد العلم والتهذيب لطفل نصقل مظاهره صقلاً وتتحطم كل محاولة نصرفها للنفوذ إلى علته المستقرة فيه منذ تكوينه.
ليس الفقير المتسول، ولا العليل المتألم، ولا الشيخ الهرم يتمشى بلا عزاء إلى قبره؛ ليست المرأة المستعبدة بلقمة، ولا الفتاة المخدوعة المنطرحة على أقذار المواخير؛ ليس كل هؤلاء الناس الأشقياء في الحياة بأشقى من الأطفال يجور عليهم الآباء والأمهات قبل أن يقذفوا بهم إلى الوجود ثم يرهقوهم بالقطيعة والإهمال حين يدرجون على الأرض بأقدامهم الناحلة المرتجفة.
الرجل الذي يمسخ حبه شهوة، والمرأة المتقصفة المتهتكة التي تجعل هيكل نسمات الله مركعاً لنفايات البشر من عباد الخيانة والطيش، إنما هما آدم وحواء مطرودين من الجنان إلى أرض الجهود المضيعة والآلام المحتمة. ومن يدري أن حديث معصية الأبوين الأولين ليس رمزاً لخيانة الحب، تلك الخيانة التي تنزل اللعنة بمرتكبيها وبأبنائهم من بعدهم.
إن هذه الحقائق التي استجليناها من قلب الحياة لتملي علينا المبادئ التي يجب أن نأخذ بها لتوجيه المرأة للخير العام.
إننا، ولا ريب، تجاه نهضة نسائية تبشر بارتقاء قريب، ولكن هذه النهضة مقصورة على عدد قليل من السيدات اللواتي لم ينخدعن بمظاهر المدنية الغرارة فأدركن أن المرأة المترجلة الضلول ليست هي من نرجو لإحياء الأسرة وخلق الأمة الحية.
الظلمات كثيفة، والمشاعل قليلة، ولكن هذه المشاعل كفيلة إذا رفعت بإنارة نساء اليوم ونساء الغد وإرشادهن إلى ما ثوى فيهن من فطرة شرقية سامية.
ليس كالمرأة من يصلح المرأة أو يفسدها. فليذهب صوت المرشدات متغلغلاً في كل طبقات الأمة مهيباً بنسائها إلى النهوض. وليست النهضة التي نرجوها للخير العام بين النساء مما يستلزم الوقت الطويل، لأنه إذا كانت نهضة الرجال في أمة تقتضي تحصيل العلوم بأنواعها وفروعها سياسية وإدارية وصناعية وزراعية وفلسفية، وتستلزم لبلوغ هذا الغرض امرار السنين الطوال درساً وتفكيراً، فليس الحال على هذا المنوال في إنهاض المرأة.
نهضة الرجل فكرية عملية، أما نهضة المرأة فإحياء إيمان وإشعال عاطفة. وقد لا تحتاج