مفتوحاً، فتسور إلى أنفي أريجها وملأ صدري وأدار رأسي، فأحسست بالجوع ولكني ضبطت نفسي وشددت على اللجام وقلت:(اللهم أخزك يا شيطان!) غير أن الشيطان شديد الغواية قوي الفتنة فجعل يقول لي: (وما حبة واحدة تأكلها فتنيم بها هذه الثعالب التي تمزق أحشاءك؟) فقلت: (والله لقد صدق اللعين. . فلآكل حبة واحدة من الجوافة اللذيذة. . ثم إن هذا عدل. . أفأحملها وأحرمها؟؟ وأكون كالعير التي يقولون إنها يقتلها الظمأ وهي تحمل الماء على ظهورها في القرب؟ أو كالحمار الذي يحمل أسفاراً؟؟.).
ومددت يدي إلى الكيس وأنا يقظان كنائم، وتناولت منه من غير أن أنظر إليه: وطابت الجوافة في فمي، فأقبلت عليها آكل وآكل - ولكن بغير احتفال والله - وإذا بصاحبتنا تدخل مؤهلة مرحبة باسطة يديها للسلام، ثم إذا بها تقف في وسط الغرفة الفسيحة وعينها مفتوحة جداً عليّ، فلم أستغرب، فقد كان فمي محشواً وأسناني تعمل دائبة كالليل والنهار. وتنبهت إلى واجني حين رأيتها تحملق على هذا النحو، فبلعت ما بقي في فمي بسرعة، ومططت عنقي ليسهل الانزلاق - أعني البلع - وانحنيت على الكيس لأتناوله وأقدمه إليها وأسرها به - أعني بالجوافة التي فيه - وإذا به ينطبق بين يدي لأنه فارغ!!
الحق أقول إني بهت، فما كان يخطر لي في بال أن آكل كل هذه الجوافة. ولو أن إنساناً راهنني أن أفعل لفزعت وأشفقت على نفسي، ولكن هذا الذي لم أكن أحسب أن لي قدرة عليه وقع اتفاقاً. . وقد سرني هذا في الحقيقة لأنه كان من بواعث الاطمئنان لي على صحتي، وكان جديراً بها أن تهنئني وتقرح لي، فإن الجوافة كثيرة وهي في السوق أكوام عظيمة، والجيد الطيب ليس بالقليل، وثمنه تافه لا يستحق الذكر. . . ولكنها وجمت يا أخي لا أدري لماذا؟ ووقفت جامدة لا تتحرك كأنما سمرت إلى الأرض، فأزعجني ذلك وخفت أن يكون قد أصابها شيء لا قدر الله، وأقبلت عليها أسألها عما جرى لها؛ فلما أفاقت أشارت بيدها - دون أن تتكلم - أن اذهب. . اذهب ولا ترني وجهك! فاستغربت أن تلقاني بهذه الجفوة بعد ذاك الترحيب والتأهيل والبشر الذي كان يفيض به وجهها وهي مطلة به من بين مصراعي الباب، وتمنيت لو أنها تبقى أبداً ووجهها بين المصراعين ليبقى لي بشرها وحلاوة ابتسامتها!!
الحق أني لا أفهم النساء. . . . وهل تستطيع أنت أن تفهم كيف يفسد الحال وتقع النبوة