الذوق، والسجائر الأجنبية تكلف ضعف ثمنها وأحياناً ثلاثة أمثال؛ وأما التنقل في مدينة عظيمة كباريس فلست أحدثك عن (التاكسي) لأنه ترف لا يطيقه سوى الأغنياء، ولكني أقول إن أجور الأمنيبوس والترام الذي بقيت منه خطوط قليلة هي الضعف وأحياناً ثلاثة أمثال أجورها التي نعرفها هنا؛ ولولا شبكة الترام الأرضي (المتروبولتان) التي تربط أحياء باريس وأطرافها ربطاً عجيباً بأجر زهيد (سبعين سنتيما أو نحو قرش صاغ) لكانت باريس أتعس العواصم من حيث المواصلات.
هذه أمثلة وملاحظات نعني بها السائح المتوسط ولا نعني بها طبقة الطلبة أو أولئك الذين يلجئون إلى بعض الفنادق الشعبية الرخيصة حول الحي الجامعي في سان ميشيل وفوجيرار، ويتناولون طعامهم في مطاعم العمال، فهؤلاء حقاً يستطيعون أن يستمرئوا نوعاً من العيش الرخيص لا يستسيغه السائح المتجول مهما كان من تواضعه وقناعته.
ولا تنس إلى جانب ذلك الغلاء المرهق تلك الضريبة التعسفية التي أصبحت رذيلة اجتماعية شنيعة في فرنسا (وفي غيرها أيضاً) ونعني (البقشيش)، ففي كل مكان وفي كل مناسبة، في التاكسي وفي المطعم والمقهى والمسرح وأينما حللت، يمثل شبح البقشيش، ويطلب بإلحاح خشن؛ وكل شيء يتطلب عطية حتى ولو لم تقدم أية خدمة؛ والشره خلة بارزة لتلك الطبقة التي تحتك بها في كل لحظة ونعني طبقة الخدم والسقاة؛ وروح الجشع تبدو في كل مكان؛ وقد تدخل المسرح أو الملهى الواحد فيطلب إليك البقشيش أربعة أو خمسة متعاقبون من الخدم قبل أن تجلس في موضعك، وإذا ترددت قيل لك إنا هنا لا نتناول أجراً ونعتمد على البقشيش، وإذا لم تتذرع بشيء من الحزم والبرود كانت الخسارة فادحة؛ هذا إلى المفاجآت السيئة في الحساب؛ ففي معظم الأحيان تدفع أكثر مما تتوقع لأسباب وأبواب غير معقولة ولكن لا مفر من إجابتها.
ولقد قيل في يونيه الماضي إن البرلمان الفرنسي قد أقر قانونا بإلغاء (البقشيش)، وقد صدر القانون فعلاً، ولكنا أسأنا فهمه وإدراك مقصده، فلم يكن قصد الحكومة الاشتراكية أن تحرم الخدمة ومن إليهم من نعم هذه الضريبة المرذولة، بل كان قصدها أن تجعل (البقشيش) حقاً وضريبة مشروعة لا عطية فقط، وأن تحفظ كرامة هذا الخادم أو العامل فلا ينتظر البقشيش كعطية أو نفحة وإنما يرى فيه حقاً مكتسباً ينظم دفعه حسب الظروف والأحوال؛