ولهذا كان أول ما قرأنا في تعليمات الفندق في مرسيليا ما يأتي:(بما أن البقشيش قد ألغي، فقد قررت إدارة الفندق أن تحتسب بدل خدمة قدره عشرة في المائة!).
ومما يلاحظه السائح في فرنسا، وفي باريس بنوع خاص، أن الأمانة في المعاملات ليست متوفرة دائماً؛ وربما كان أول وأشهر التجارب التي يلاقيها السائح في ذلك هي مسألة التاكسي؛ فإذا لم تكن تعرف الطريق أو لك فكرة عنه فويل لك من السائق؛ وقلما تجد سائقاً يقودك إلى المكان المقصود مباشرة، ولا بد أن يطوف بك حيناً قبل أن يقودك إغليه، وعبثاً تلاحظ أو تعترض، وعند الحساب تضاف إلى الأجر ملحقات زائفة يؤيدها السائق بالصخب والوعيد؛ والويل لك إذا ترددت في الدفع؛ وهذه تجربة أعتقد أن كل سائح مستجد يلقاها في فرنسا؛ وقد بلوتها ير مرة وسمعت في شأنها روايات مدهشة مضحكة معاً عن تفنن السائقين في ابتزاز الملحقات غير المشروعة. وإنك لتلقى مثل هذا الغش أحياناً في المطعم والمقهى إذا لم تحسن مراجعة الحساب؛ ومن الحق أن نقول إنك تلقى مثل هذه التجارب في غير فرنسا، وإنك تلقاها في إيطاليا وباقي أمم البحر الأبيض، ولكن يندر أن تلقاها في أمة من الأمم الشمالية.
وحب المال خلة مشهورة في فرنسا، وهي تذهب إلى حد الجشع المثير، وإنك لتلمس هذا الشره في كل المعاملات، وتشعر بأن روح المادة والاستغلال تطغى على كل شيء وكل اعتبار، ومن ثم كان شغف الكسب بأي الوسائل، وكان تجلي الأثرة وانعدام روح المعاونة والمروءة في معظم الطبقات التي تحتك بها. ومن النادر أن تجد في باريس من يتقدم لمعاونتك أو إرشادك لمعرفة مكان أو غيره بشيء من التطوع أو الرقة التي تأنسها في بلاد أوربية أخرى؛ وإذا قدم إليك مثل هذا العون شعرت أنه مقرون بالسرعة والمن، وأحياناً بالتكلف والجفاء، كأن وقت الفرنسي كله وكلماته كلها من ذهب؛ وكثيراً ما تجاب بهز الأكتاف و (ليس عندي وقت) وأمثالها.
هذا وقد أفسدت الروح الاشتراكية أخلاق الطبقات الدنيا وآدابها، فالعامل والصانع والبائع والخادم والموظف الصغير، هؤلاء جميعاً يتصورون أنهم سادة الموقف في فرنسا، وأن المستقبل لهم. وإنك لتلاحظ هذا الأثر السيئ بنوع خاص في طبقة العمال والخدم، فهم يؤدون أعمالهم بتكلف ولا يحفلون بشيء؛ وهم يشعرونك دائماً عند الحديث أنهم سادة