وتبصر واحترفوه احترافاً، فلم يجمحوا فيه بالخيال، ولم يتنبئوا فيه بالغيب. عندئذ تحوّل متشنيكوف كذلك بعض التحوّل عن غضباته المرة وإساءاته المنكرة إلى كل من لم يكن يرى الأمور بعينه. ونال الشارات وحظِيَ بالمكافآت المالية. ودخل يوماً مؤتمراً دخول الملك المستعظم فحظي فيه حتى بتصفيق الألمان واحترامهم. وكان عندئذ آلاف من البحّاث قد لمحوا آلافاً من الفاجوسات تبتلع آلافاً من المكروبات. ولو أن هذه لم تفسر لنا سبب الحصانة - لم تفسر لنا كيف أن رجلاً تصيب صدره النيومونيا فتقتله، بينما رجل آخر تصيبه فتعتريه نوبة من عرق صبيب يشفى عقبها - إلا أنه مع ذلك ثبت يقيناً أن الفاجوسات تأكل مكروب النيومنيا أحياناً وتذهب به وبشره. وهذا الثبوت لا شك يرجع فضله إلى متشنيكوف بصرف النظر عن فساد حججه وضيق صدره وقلة تسامحه وعناده. ولا شك كذلك في أن هذا ثبوت لحقيقة علمية كبرى ليس بمستغربٍ أن تؤدي إلى تخفيف آلام البشرية لو أن القدر ساق إلى هذا العالم البائس عبقرياً حلاّما حذّاقاً للتجربة يفضح لنا السر في أن الفاجوسات تأكل المكروبات أحياناً ثم هي تَعَفّ عنها أحياناً، أو لعله فوق ذلك يغريها بأكلها دائماً أبداً.