للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إيه يا روح الأم المرفرفة على سرير فتاتها! امسحي على قلب هذه المسكينة بيدك الروحية الطاهرة، وانشري عليها من ذلك الضوء الذي يغمر ذاتك المجردة، وابعثي في قلبها الطمأنينة التي تسود عالم الروح الأسمى، وانقليه في شفقة الأم الرحيمة، ورقة الروح الكريمة، من الماضي القريب الزاخر بمعاني الأحزان والآلام، إلى المستقبل الزاهر بورود الآمال والأحلام. .!

مضى الزوج إلى مصلاه، يلتمس الروح والطمأنينة في جوار ربه، ويعوذ به من القلق الذي جعل يعبث بقلبه، ويستروح نفحات الملأ الأعلى التي تتأرج فيه. ثم عاد إلى بيته فإذا هو يتلألأ بمعاني الفرح الطروب، كأن الحياة قد أفرغت في هذه البقعة الصغيرة كل ما تدخره من السرور والبهجة. لشتان ما بين هذه الساعة والتي قبلها في رأي قلبه! فقد امتلأ الفراغ الذي كان يشعر به بين جنبيه، والذي كان يشعره أن حياته فارغة لا قيمة لها، والذي كان لا يملؤه إلا الهم والابتئاس حين يرى رجلاً يداعب طفله ويدلله، فتثور غريزته المحرومة، وتضطرب في صدره أيما اضطراب. . . لقد ابتدأ منذ اليوم حياة الأبوة المجيدة والرجولة الصحيحة، وأصبح يشعر لوجوده بكيانين: أما أحدهما فقد بلغ الذروة، وأما الثاني فلا يزال في سفح الحياة يحبو ويتشبث. . . فأي سعادة تغمر قلبه! وأي صورة من الفرح والغبطة ترتسم على وجهه! لقد ظفر اليوم لنفسه بالحياة في أنضر صورها، فما كهذا اليوم في حياته كلها.

وأما الأم فقد تنزلت عليها رحمة ربها، فنسخت تلك المعاني الحزينة من قلبها، وأقبلت عليها الحياة الجديدة المنبعثة من وليدها، فمسحت كل ما أبقى الموت من أثر في نفسها، وقد استغرقت كل عواطفها في تلك الفلذة المشتقة منها.

إيه أيها الوليد الملقى في مهده في جو من الغموض والإبهام وفي هالة من الحب والرعاية والإعظام! ما هو ذلك الشأن الذي جعلك مناط الأمل ومعقد الرجاء، وقد تكون سبب الشقوة ومستقر العناء؟ وما هي تلك الخطورة التي جعلت مقدمك بين التهليل والتكبير، وجعلت استهلالك مقروناً بهتاف الفرح وصوت البشير؟ وما أنت في ذلك الوجود الزاخر إلا ذرة أو أقل من ذرة في عباب المحيط الواسع! ألأنك تمثل الحياة في شتى أشكالها؟ ألأنك تحمل بين جنبيك ميراث الإنسانية جميعها؟ ألأنك الوحدة التي يقوم عليها بناء الكون بما يضم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>