للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما يدرينا أن بعضهن كن يكلفنه ترجمتهن حباً لتخليد ذكرهن ولو بالاقتصار على اسمهن، وهذا كما يفعل بعض نساء زماننا؛ (بل وبعض رجاله) إذ يرغبن إلى رجال الصحافة أن يذكروهن في صحفهن مباهاة بين أترابهن.

وعلى كل فأن هذا الجزء روض نسائي حافل بشتى أنواع الأزهار والرياحين؛ تقرؤه بلذة وشغف، إذ تتوفر لديك فيه النماذج المتنوعة عن المرأة المسلمة في ذلك العهد الذي ساد أو بدأ يسود فيه الانحطاط. ولعل أبرز طابع في (الضوء) هي الصراحة التي امتاز بها المؤلف في معظم ما كتب وخلد من أثر، وفي هذه الصراحة ما يشوق القارئ ويُغريه بالمطالعة ومرافقة المؤلف إلى النهاية.

أتى المؤلف على طائفة كبيرة من نساء عصره وعرض علينا من أحوالهن وجوهاً مختلفة وأشكالاً متعددة ونفسيات متباينة وعقليات متغايرة. فمنهن المحدثة العالمة، والحافظة البارعة؛ ومنهن التقية الورعة والمحتسبة الصابرة؛ ومنهن الحبشية السوداء والجركسية الحسناء، ومنهن سليلة الملوك والسلاطين؛ ومن أثر فيها كيد الحاسدين وسحر الساحرين. يذكرهن لنا كما عرفهن ووصلته أخبارهن. وكثيرات منهن عاصرن المؤلف وكن من المعجبات به المعتقدات بسعة فضله وغزارة علمه.

ففي القرن التاسع للهجرة كانت المرأة المسلمة في مصر والشام برغم ما يعزى إليها من تأخر تتلقى عن الأئمة ويتلقون عنها. يجيزها العلماء وتجيزهن؛ يناظرها الأدباء وتناظرهن؛ تحفظ دواوين الشعر وتروي عن الشعراء؛ ذات فكر ثاقب وقريحة نيرة ورغبة ملحة في التحصيل، لا يعتريها سأم ولا ملل في طلب العلم والأخذ عن أساطينه، وحفظ كتب الفقه والأدب، ودواوين الشعر والمذاكرة فيها.

ومما يلحظه المطالع أن معظم نجوم (الضوء) لمعن في سماء مصر وتفيأن ظلال نخيلها وارتوين من ماء نيلها؛ واغترفن من بحار علومها. وقد أحببت أن أحصي الشواعر فلم أظفر بسوى واحدة نظمت الشعر وكان بينها وبين المؤلف وسواه من العلماء مساجلة ومناظرة، فهي تشبه من هذه الجهة شاعرة الشام في القرن العاشر للهجرة لسيدة عائشة الباعونية المدفونة في صالحية دمشق. ومن هنا يتبين أن إقبال النساء على قرض الشعر في ذلك العصر أعني القرن التاسع كان قليلاً، وكانت جل رغبتهن يومئذ في تلقي علوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>