أكثر هذه النصوص لا يشير إلى المراجع التي استقاها منها.
والقراء يعرفون أن الجاحظ قد ألف العديد من الكتب والرسائل وأنه كان يتناول في الكتاب الواحد موضوعات شتى واتجاهات متباينة قد لا يربطها عنوان الكتاب. فمعرفة نص له في كتاب مجهول الاسم أمر عسير كل العسر. ومع ذلك فقد حاولت جهد الطاقة أن أعرف الكتاب الذي ورد فيه هذا النص فلم أوفق؛ فاتصلت بالأستاذ جيوم مؤلف الفصل - في إنجلترا - لعله يهديني إلى الكتاب الذي ورد فيه النص، فرد معتذراً بنسيان المصدر. . . ولما كنت أعلم أن لهذا النص خطره من حيث إنه يحمل اعترافاً له قيمته العلمية فقد تعمدت أن أثبت في ذيل الصفحة التي ورد فيها كلام الجاحظ تعليقاً أوردت فيه نصوصاً لعلماء المسلمين وفلاسفتهم (كالشهر ستاني، وابن خلدون، وابن سبعين) وكلها تؤيد هذه النظرة التي ذهب إليها الجاحظ.
ويستنكر الأديب الكريم من المؤلف استشهاده بهذا النص على أن الفلسفة العربية ليست إلا صورة من الفلسفة اليونانية مشوبة ببعض الفلسفات الفارسية والهندية. وهذه ملحوظة لم أهمل الالتفات إليها والرد عليها في تعليق آخر قد نشرته الرسالة مع المقال وذكرت فيه آراء بعض مؤرخي الفلسفة الإسلامية من علماء الغرب وانتهيت إلى تقرير الرأي بأن للفلسفة الإسلامية كياناً خاصاً يميزها من غيرها من سائر الفلسفات لأن ثمرات من عبقرية أهلها.
على أن هذا الرأي لا ينفي القول بأن الجاحظ وغير الجاحظ من علماء المسلمين وفلاسفتهم قد اعترفوا بما كان لليونان من فضل على أهل الملة الإسلامية؛ بل أسرف أكثرهم فعزا إليهم الفلسفة الإسلامية في شتى آفاقها.
وإني لأشكر للأديب الكريم اهتمامه بالأمر ومسارعته بالرد؛ فلو تأخر رده أسبوعاً واحداً لكان الكتاب في أيدي قرائه. وتعذر علينا تبليغ النص إليهم.