هذه هي الآثار المادية لمأساة من أروع وأشنع مآسي التاريخ! وإن القلب لينكمش أسى حينما يتأمل هذه الآثار المحزنة ويذكر ذلك العهد الدموي - عهد الإرهاب - بكل محنه وجرائمه وفظائعه.
وماذا نذكر أيضاً من صروح باريس العظيمة؟ هنالك الأوتيل دي فيل، أو (دار البلدية) بماضيها الحافل؛ ولقد كانت (الأوتيل دي فيل) في مستهل الثورة مستودعاً للسلاح، فاقتحمها الثوار يوم ١٤ يوليه، وأخذوا منها السلاح الذي هاجموا به الباستيل: غير أن الدار التي تقوم اليوم ليست هي الدار القديمة، وإنما هي دار جديدة أنشئت في مكانها وباسمها؛ وهنالك دار الأوبرا، وهي محدثة ترجع إلى نحو سبعين عاماً فقط؛ ولكن توجد ثمة طائفة أخرى من المسارح القديمة أشهرها مسرح (الاوديون) الذي أنشئ في أواخر القرن الثامن عشر، والذي ما زال يحتفظ بطابعه القديم، ويشرف بحناياه وأعمدته القصيرة القاتمة على الميدان الذي سمي باسمه من ناحية، وعلى اللوكسمبور من الناحية الأخرى.
وأما ميادين باريس فهي من أعظم وأروع ما تزدان به العواصم الجليلة:؛ وربما كان أعظمها وأبدعها ميدان (الشانزليزيه) الذي لا تكاد تلم العين بجنباته الشاسعة، والذي تنساب من إحدى ضفتيه حدائق الشانزليزيه الرائعة؛ وميدان (الأتوال) المستدير الشاسع الذي يقوم في وسطه قوس النصر، وتنساب من أطرافه عدة شوارع هامة سميت بأسماء قادة فرنسا، مثل لازار هوش، وكليبر، وفوش؛ وقوس النصر من أعلام الآثار الباريزية يثوي تحت ظلاله (الجندي المجهول)، ويحج إليه الزائرون أفراداً وجماعات في خشوع وإجلال؛ وميدان الشان دي مارس حيث يقوم برج إيفل الشهير، وميدان الكونكورد حيث تقوم مسلتنا المصرية، وميدان فندوم الذي يقع بجواره ويزينه عمود من أعمدة الحرية، وميدان المادلين الذي تتفرع منه أهم الشوارع التجارية؛ وميدان الباستيل الذي كان يشغله سجن الباستيل قبل الثورة، ويدل الآن عليه عمود الحرية القائم مكانه.
وتزدان باريس بعدة من الحدائق والبساتين الشهيرة، وفي مقدمتها حديقة اللوكسمبور الشاسعة، التي تزينها بعض البحيرات الصغيرة وتماثيل لملوك فرنسا وملكاتها؛ وبستان مونصو؛ وحدائق الاليزيه وغيرها؛ وأروع من ذلك كله غابة بولونيا التي تقع في غربي باريس، وهي بسيط شاسع من الأحراج النضرة تتخللها طرق نظمت أبدع تنظيم، بعضها