وآمن نابليون بأن من المستطاع إلغاء قرار التجريد، لكن لا مندوحة له عن التماس المعونة من أقوياء اليوم، المسموعي الكلمة والإشارة، فجد في طلبهم، وتلمس العون من جانبهم.
والتمس نابليون العون عند مدام تليان فحملته كتاب توصية إلى المسيو لوفوف، فأجاب سؤلها وأذن لنابليون بالقماش الذي يصنع منه سترته التي أخذ منها البلى كل مأخذ.
وطوع لنابليون ضميره أن يتوسل بمدام تليان لينتفع بجاه (باراس) ونفوذه. وإن تنس فلا ينبغي أن تنسى أن تلك لسيدة كنت متبوئة عرش الجمال في باريس، وأن صالونها كان الكعبة التي يحج إليها العظماء والكبراء، وأن نابليون كان زري الهيئة تكاد تقتحمه العيون؛ ولذلك لم يكن يسترعي نظر أحد، أو يلقي إليه المجتمعون بالاً، وما كان يخوض معهم في الحديث إلا نادراً؛ على أنه إذا تكلم تكشف عن بديهة حاضرة وذكاء متوقد.
وفي ذات مساء اشتغل نابليون في صالون مدام تليان عرافاً! أي والله عرافاً (يشوف البخت) ويجري على سبيل العرافين ولهجتهم! نعم لقد أخذ نابليون بيد مدام تليان يقلب النظر في كفها وينبئها بالمستقبل، ويفيض عليها بطائفة كبيرة من الخيالات.
وكم كانت صورة رائعة تحتاج إلى ريشة المصور! فهذا عاهل فرنسا في المستقبل، والرجل الذي دانت له أوربا وثل عروشها عرشً فعرشاً، ودك حصونها حصناً فحصناً، وقوض ممالكها واحدة بعد أخرى؛ هذا الضعيف المهزول، الأنكد الأغبر، الزري الهيئة، الخلق الثياب، يقرأ المستقبل في كف ملكة الجمال في ذلك العصر! فما أبعد الفارق وأعمق الهوة بين تلك المرأة المشرقة التي تخطر في مطارف النعيم، وبين ذلك البائس الذي لا يكاد يخفى بؤسه، ولا يستطيع أن يكتم حزنه وبثه من سخرية الأقدار! وأية فكرة كانت تجول في ذلك الرأس المتعطش للمجد وصاحبها (يشوف البخت) التماساً لوجوه المعونة! وإذا رأيت ثم رأيت جمعاً من السيدات يشهدن هذا المنظر وهن يضحكن ملء أفواههن من النبوءات التي يرتجلها نابليون ارتجالاً ومظهره الذي يدعو إلى الرحمة ويبعث على الرثاء! نظر إلى تلك السمراء الجميلة إنها جوزفين بوهارنيه. . . ولن تمضي خمسة شهور حتى تصبح قرينة للعراف الذي (يشوف البخت). ولن تمر ثلاث سنين حتى تمسي شبه ملكة لفرنسا، وما تلبث غير بعيد حتى يهرع البابا إلى باريس ليضع على رأسها تاج الإمبراطورة على الفرنسيين! تلك هي جوزفين التي ارتسمت صورتها في أفق المستقبل