للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأن يرفع إليه تقريراً. وكرت أيام، والتقى (بونتيكولان) (ببوسي دنجلاس) فقال له: (لقد رأيت رجلك الذي بعثت به إلي، ويلوح لي أنه مجنون، إذ لم تحدثه نفسه بالعودة إلي، وأكبر الظن عندي أنه وقع في روعه أنك تسخر منه. كلفه بالحضور إلي غداً).

وتحت ضغط (بواسي دنجلاس) وإلحاحه قدم نابليون تقريره عن الحملة الإيطالية، فما راع (بونتيكولان) إلا علو كعبه في الفنون الحربية، فطلب إليه أن يعمل معه؛ ولما سأله عن مطلبه أبدى رغبته في العودة إلى جيش المدفعية برتبة قائد فرقة، فأنكروا عليه الطموح إلى تلك القيادة وما يزال في الخامسة والعشرين من عمره.

وقد كان (ليتورنير) هو الذي وقف عقبة في سبيل تولي نابليون ذلك المركز، ومع ذلك لم يحمل له حفيظة في قلبه؛ فما لبث أن أصبح إمبراطوراً حتى عينه مديراً ثم مستشاراً.

وإن شئت أن ترى آية حية على وفاء نابليون فاذكر أنه ما كاد يصير قنصلاً حتى استقدم (بونتيكولان)، فلما قدم إليه قال له: إنك اليوم المستشار، فاعتذر بعدم بلوغه الأربعين، فقال إذن فأنت مدير في بروكسل أو في أي بلد تختاره، ذلك بأني حريص على ألا أنسى خدمة قدمت إليّ.

وكان (بونتيكولان) ضامناً كفيلاً لأحد أصدقائه، فلما أفلس تحمل بدين يبلغ ثلاثمائة ألف فرنك؛ فلما بلغ سمع نابليون ضيقه استقدمه إلى قصر التويلري ولامه في رفق على كتم ضيقه عنه، ثم ما لبث أن وفي له دينه.

ولا نملك أن نترك تلك الصورة الرائعة للوفاء دون أن نضع إلى جانبها صورة للجحود والكنود والعقوق الأسود؛ أجل ففي جلسة ٢٢ يونيو من عام ١٨١٥ كان (بونتيكولان) الذي أغدق عليه نابليون، بل الغارق إلى أذنيه في نعيم نابليون، أول من خذل نابليون، وعارض في بقاء الإمبراطورية!!!

وبينا كان بونابرت يرقب بفارغ الصبر أن تعينه لجنة السلام العام على رأس البعثة الحربية المزمع إرسالها إلى تركيا، إذا به يتلقى والدهشة ملء نفسه، والأسى ملء فؤاده، خبر تجريده من رتبته العسكرية، تحت ستار الدعوى بأنه رفض قبول المركز المعين له في جيش الغرب.

وكذلك تكون سخرية الأقدار!

<<  <  ج:
ص:  >  >>