للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اختبارت فظيعة. قال: (إن أعمارنا تطول كثيراً لو لم يكن لنا هذه المعي الغليظ، بل إن سجل الطب يخبرنا أن رجلين قطعت منهما هذه الأمعاء فعاشا أطيب العيش بدونها). والغريب بعد هذا أنه لم ينصح بقطعها للناس، وإنما أخذ يفكر كيف السبيل إلى تعكير الصفو وتنغيص العيش على البشلات الوحشية التي تسكن هذه الأمعاء.

وجاء بنظرية غريبة أثارت الضحك منه والسِّخرية به، وأخذت توقعه في المتاعب من جديد. وكتب إليه بعض الناس يذكّره كأنما نسي بأن الفيلة لها أمعاء غليظة هائلة، وهي مع هذا تعيش مائة عام. وكتب آخرون يقولون إن الجنس الإنساني من أطول الأجناس أعماراً برغم هذا المُصران. ثم دخل في حوار واسع بذيء عن الحكمة في أن سنة النشوء أَذِنت للحيوانات أن تحتفظ بالمصارين الغليظة، وبغتةً وقع على دوائه الكبير للتسمم الذاتي: تحدّث بعضهم قال إن في بلاد البلغار قُرى يعيش أهلها أكثر من مائة عام. ولم يكن متشنيكوف ذهب إليها ورأى هذه الأعمار الطويلة بعينه، ولكنه برغم ذلك صدّق ما سمع، وعلم أن هؤلاء المعمّرين يعيشون على اللبن الرائب، فأسرّ لنفسه: (أي والله! هذا هو السرّ في طول هذه الأعمار)، ولم يلبث ن كلّف بعض الشبان البحّاث في معمله دراسةَ المكروبة التي تُرِيب اللبن، ولم تلبث هذه المكروبة الشهيرة - البشلة البلغاريّة - أن اتخذت مكانها رفيعاً بين المستحضرات الطبية.

وفسّر متشنيكوف عملها فقال: (ن هذه الجرثومة تصنع حامض اللبن الرائب وهي بذلك تطرد البشلات الوحشيّة من الأمعاء). وبدأ بأن شرب هو نفسه مقادير هائلة من اللبن الرائب ثم عقّب بأكل زريعات من البشلة البلغارية ويظل يأكل منها سنوات. وألّف كتباً كبيرة في هذه النظرية الجديدة، وأشادت بهذه المؤلفات صحيفة إنجليزية لا يُعرَف الهزل منها فقالت إنها أخطر الكتب الطبية منذ ظهور كتاب (أصول الأجناس) لداروِنْ. وشاع أكل هذه البشلات السخيفة في الناس، وتألفت شركات لصناعتها أَثْرَى أصحابُها إثراء كبيراً من بيعها، وأذن لهم متشنيكوف أن يكتبوا اسمه عليها ولو أن زوجته تؤكد أن لم يُفِدْ من ذلك قرشاً.

وعاش عشرين عاماً عيشة صارمة على الأسلوب التي تقضي به هذه النظرية. وجانب الطبّاق ولم يذق كحولاً في شراب ولم يأذن لنفسه أن تستمتع بشهوةٍ داعرة، وامتحنه أشهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>