وأموالها، ومضت برغمي فترة طويلة منصرفاً إلى ما اكتنفني من هم مسخ النزهة وكاد يعفي أثر العلاج وأنا مطرق. . مستعبر.
قبع جنود الاحتلال في قصر النيل ووصل أثرهم إلى أقصى الوجه السوداني جنوباً والبحر الأبيض شمالاً. وجلس عميده الأول بقصر الدوبارة ونغص عيشنا في ريفنا وصعيدنا، وانساب كالأفعى إلى عقل الطالب بما قدم من كتب ممسوخة وإلى الزراع بامتصاص دمه وإلى الدوائر العليا يخضد من شوكتها ويعلن أوامره فأفسد الأخلاق، وإلى الجيش فجعله لا يشعر بوجود ولا يتقدم خطوة ولو في الدراسة النظرية.
ولقد أراد الله أن تصل بنا الباخرة في العودة إلى الوطن في السادسة من صباح ٢ سبتمبر، وما كدنا نفرغ من الاستعداد حتى قاربت الثامنة، وإذا بأحد الخدم يطرق الباب، وكم كان سروري عظيماً حين سلمني جوازات السفر فأراحني بذلك من المشهد المؤلم الذي كان علي كالضربة الثقيلة، إذ شاء الاحتلال أن تكون الأمرة في بوليس الموانئ للإنجليز! فلكم كنت أشعر بالتنغيص المفاجئ في الذهاب والعودة حين أرى المسيطر الباحث في جواز مصري ولمسافر مصري غير مصري.
فتحت الخادم وتناولت الجوازات مغتبطاً، وطرت مع الفأل فرحاً وقلت في نفسي يحقق الله للبلاد بجهودها ما حققت لي المصادفة اليوم.
وهكذا يشاء الله أن يمر ١٤ سبتمبر وأنا بعيد عن القاهرة، كما تمنيت من قديم، وكما أنالني الله وقد عودني جميله.
عدنا إلى الوطن ونزلنا منازلنا والموسم الزراعي في أحفل مراحله، إذ تموج الحقول في جميع أرجاء البلاد بالعديد من أبنائها يجمعون بأيديهم ثروتها، وإنهم بذلك يتظاهرون للجهاد لا في سبيل العيش فقط، ولكن في سبيل سمعة الوطن في جانب غنائه؛ وليس أقوى من مظهرهم حفزاً للهمم بين وهج الشمس وأثر الرطوبة المتخلفة عن الفيضان. فلا يحسون سوءاً من الأولى ولا من الثانية، لأن وهج الهمة أقوى، وسورة الجهاد أطغى وأعم.
ويتفق أن يحفل الموسم مبكراً فيتفق واليوم المنكود الذي طلعت على رحى الاحتلال شمسه، وخيمت على عاصمة سحب الشر فيه مختلطة بغبار الخيل قادمة في غير حرب، وشامخة كأنما انتهت من فتح، وهو الغصب الصارخ يؤيده العذر الذي لا يعدو خيوط