انظر واعتبر! ثم انظر وأمل في الله الخير، فأن العب الذي تعركه المحن وتنغصه الذكريات يكون أقوى الشعوب حينما يستفيد من ماضيه، وأقدرها على السير ناضجاً بفعل الأيام وهي خير مرب.
وإذا كان الزمان استدار فظهرت العزائم متجهة والقوى متراصة جهاداً في سبيل العيش، فعما قريب هذه العزائم في العمل في كل ميدان للتخلص مما أصاب البلاد.
وكان أول كتاب للمرحوم مصطفى كامل إلى مدام جوليت آدم في ١٢ سبتمبر وكان كتاباً له ما بعده. وكان ما تلاه بادرة ظهور القائد الشاب وبادرة الأمل، وأول العمل المستمر الذي أفنى فيه حياته.
ولئن كانت الصحف اليومية وأكثر الهيئات لم تعر هذا اليوم ما يناسبه من عناية، فقد يكفل الأدب للأمم استخراج العبرة البالغة من المأساة، والمفخرة الغالية من الحادث الصغير. وقديماً قام الأدب أميناً على تراث الماضي وتأثراً للفضل والفضائل. ولقد صدق المرحوم شوقي بك حين رأى كسرى وإيوانه في سفينة النجوى أبقى على الزمن من الإيوان في فخامته وبنيانه. فكيف به أمام يوم غير من حال أمة ورزأها أكبر الرزء؟
كنت إلى أمس أقرأ تعليقاً قيما للكاتب الكبير أناطول فرانس على بحث فني بصدد أحد القصور التاريخية في فرنسا وهو قصر الوزير (فوكيه) وزير المالية في عهد لويس الرابع عشر، فحين عرض لمحنته ثم لمصرعه ذكر تنكر الأيام للوزير وتغير صحبه وخلانه، وحتى ذلك الجمع الذي لا يحصى ممن له عليهم أيد وآلاء ولم يقم بالواجب نحوه ويذكره في محنته، ويفصل بين السيئة والحسنة، ويمنع طغيان الشهوات على قديم مآثره، إلا الأدباء، فتسابقوا دفاعاً عنه نظماً ونثراً ومن بينهم كورنيل والرئيس هينو
وهل أقرب إلى الحق من الأدب؟ ومن يحمل عبء الإيقاظ للخير غيره؟ وهل يصرع الظلم سواه؟
والحقِ عرض الله، كل أبية ... بين النفوس حمى له ووقاء