وبعد، فإني أشكر الأستاذ على نقله كلامي بحروفه، لأن عمله هذا سمح للقراء أن ينظروا: هل بلغ الأستاذ في الجواب على أسئلتي ما يريد من إزالة الشبهات الواردة عليه أم قصر دون هذه الغاية؟ أما أنا فقد عدت إلى كتاب الأستاذ كما طلب إليّ (وأنعمت - ثانية - في تدبر الأسباب الحادية على نفي تنبؤ أبي الطيب فلم أجد فيها مقنعاً) كما لم أعثر في رده الذي تفضل به علي شيء من الحجة؛ وإليك البيان:
(١) وهّن الأستاذ رواية التنوخي لأنه صاحب الوزير المهلبي، ولأن المهلبي عدو المتنبي، فلا يبعد أن يكون التنوخي تحامل على أبي الطيب إرضاء للمهلبي. فنحن نسأله: هل يكفي هذا الاحتمال في تبرير رد رواية التنوخي وهي كما يراها المنصف تحمل في مطاويها دليل الصدق والأمانة في نقل الحديث، لا دليل الوضع والكذب؟ سأل التنوخي أبا الطيب عن معنى (المتنبي) فأجابه: (إن هذا شيء كان في الحداثة). وظاهر أنه يعني التلقيب لا التنبؤ، فجوابه غير صريح، وهو كما قال الراوي جواب مغالط، وكان في وسع التنوخي أن يحمّل المتنبي - لو أراد وضعاً وتحاملاً - جواباً صريحاً في ادعائه النبوة، ولو استقام هذا الأصل الذي بنى عليه الأستاذ رواية التنوخي لجاز لكل من أراد نفي خبر أن يورد عليه مثل هذه الاحتمالات الخيالية فيسقطه. وما أحسب أن خبراً - مهما كان صحيحاً - يستعصي إسقاطه على هذا الأصل!
إنما السبيل ن ينقّب الأستاذ عن نص صحيح صريح في تجريح الراوي التنوخي وأنه عهد منه وضع الأخبار ودسّ الروايات، أو أن يلجأ إلى حجةٍ - لا إلى احتمال - قوية يرضاها العقل والمنطق السليم.
(٢) استهل الأستاذ كتابه بفرضٍ فرضه، وخلاصته أن المتنبي علوي صحيح النسب، وأنه أخذ بكتمان هذا النسب لعداوة بينه وبين العلويين زعمها الأستاذ ولم يعرفها التاريخ. ثم ذهل حضرته عن أن هذا كان منه فرضاً ودعوى فراح يعده بعد صفحات حقيقية واقعة يبني عليها ويشرح بموجبها أبيات الديوان ويكذب مستنداً إليها الروايات، ويتهم الراوين. وهو بذلك يخرج على أصول سنها هو لنفسه وأخبر عنها في رده علينا حين قال: (ولا بد لمن يريد أن ينقد ناقداً أو يكتب فيما يتناول الروايات والأخبار أن يتحقق بدءاً بمعرفة الأصول في علم الرواية، وأن يستيقن من قدرته على ضبط الفكرة حتى لا تنتشر عليه