للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أيضاً على الذهبي وغيره من المؤرخين الذين أجمعوا على وفور عقله وحسن تدبيره وصلاحه. . ويرى الأستاذ معنا أن فقه هذه الروايات - وهو الخبير بالرواية والدراية - يجعل كافوراً بمنجاة من النزول إلى هذا الدرك، وإن في أمور ملكه وبعد غوره ما يشغله عن الاختلاق على شاعر تكفي إشارة منه لتذهب برأسه. إن ما يسبغه المؤرخون على كافور من الصفات يكفي ليقول ببعده عن جميع السفاسف جملة وحدة. ففي التاريخ بينة وفيه دليل ولكن للعجلة في الحكم آفات.

هذا وفي نفسي مما أورده الأستاذ المحقق شيئ؛ فهل يسمح لي أن أطالبه بالدليل العلمي على قوله الجازم: (أعلم أن أكثر ما يروى في ترجمة هذا الرجل (المتنبي) وغيره من الرجال، إنما كان من الأحاديث التي تتناقلها مجالس الأدباء ولا يراد بها التحقيق، ولا ينظر فيها إلى صدق الرواية وسياق التاريخ وما إلى ذلك، بل إن كثيراً مما يروى في تراجم رجالنا كان مما يراد به مضغ الكلام في مجالس الأمراء أو في سامر الأدباء. . . الخ) وهل يتفضل فيبين لنا البرهان القاطع في قوله جواباً على سؤالي: (إن هذا الخجل الذي يزعمونه إنما هو من أباطيل الرواة الخ) فمن هم هؤلاء الرواة الذين لفقوا الأباطيل؟ إني متى أعرفهم يسهل علي من دون شك أن أسأل عن الأسباب الحادية لهم على التلفيق.

وأنا غير مطمئن إلى قول ابن جني في سبب تلقيب أبي الطيب بالمتنبي، فإن جني مفرط في حبه لصاحبه والدفاع عنه وهو متهم فيه. فهل لأستاذنا أن يعزز قوله بروايات أخرى سبيلها على غير ابن جني وعلى غير ما حوله؟ فإن تعذر هذا فلا عليه أن يؤيدها بأدلة لا اعتراض للفكر السليم عليها. ولا بأس أن نقول له وقد قرأنا ختام رده الذي أثنى فيه على نفسه وعلى كتابه بما هو له أهل: أنت كما أثنيت على نفسك، ولكن إذا كان كتابك قد اتخذه - كما زعمت - بعض الكتاب (مصدراً استنبطوا به أصول النقد) فلسنا بالذين نسمي الطعن المجرد للروايات أصولاً في النقد، وما لهذا أيضاً علاقة بالبحث. وهلا إذ ذكرت ذلك دللتنا على أسماء هؤلاء الكتاب والمجلات التي نشورا بها والمواطن التي قلدوك فيها لنهنئك على شيوع مذهبك وكثرة المؤمنين به؟ ولعلك فاعل عن قريب إن شاء الله.

أما أنا فما كنت أظن قط أن أسطراً تذكر عرضاً في رد فكرة، تثير مثل هذا الفاضل فيحمل منها هماً يجد وقره وعنته اثنين وأربعين يوماً ثم ينفثه في رده الذي تكرم به على مثل هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>