وتقليد أفكارهم، واحتقار الماضي العربي بأسره. ثالثاً: محاولة صبغ الأصول الصحيحة للأدب العربي بأشكال جديدة مبتكرة من أساسها، مع اتخاذ الطرق الأوربية والثقافة الغربية وسيلة للوصول إلى هذا الغرض. ولا تزال هذه الميول قائمة حتى الآن جنباً لجنب.
ويلاحظ أن الفريق الأخير هو الذي فاز بأوفى عدد من الأنصار. وبديهي أن مصير العرب السياسي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين أثر تأثيراً كبيراً في التيار الأدبي. فتاريخ هذا العصر هو تاريخ الانفصال تدريجياً عن تركيا (سواء من الوجهة السياسية أو الأدبية) ونشأة الروح القومية العربية التي اجتازت مراحل نموها بخطوات تختلف سرعتها باختلاف البلاد. وقد شاهدنا في الأيام الأخيرة أن تقدم الروح القومية أدى إلى نزعة فردية عند بعض الأمم العربية. أما في ميدان الأدب فإن تلك النزعة تنمو وتقوى في مصر حيث يدعو بعض المفكرين إلى تمصير اللغة وإحياء الأدب القومي.
إن من الصعب تقسيم الأدب العربي في القرن التاسع عشر إلى عصور تميزه تمييزاً واضحاً، فقد كان الإنتاج الأدبي في حد ذاته إلى عام ١٨٨٠ تافهاً نوعاً، بل إن العرب أنفسهم كانوا لا يذكرون أسماء كتابهم، ذلك لأن مؤلفات هؤلاء الكتاب لا قيمة لها إلا في نظر معاصريهم، فهي مرآة لأفكار عصرهم ومشكلاته، وأهميتها اليوم لا تعدو أن تكون تاريخية بحتة. بل هو عصر بحث واستطلاع أكثر منه عصر إنشاء أدبي.
ويمكن تحديد هذا العصر بخمس قرن، أي من سنة ١٨٨٠ إلى ١٨٩٠، ثم من سنة ١٨٩٠ إلى سنة ١٩٠٠، وهي الفترة التي اختفى فيها من المضمار الجيل الأول لناشري النور الجديد ودعاة الأدب الغربي، وكانت كل من سورية ومصر تعملان وقتئذ مستقلتين، فالتفتت مصر إلى المضمار بنوع خاص، أما سوريا فوجهت اهتمامها إلى ميدان اللغة والأدب، وبرز في كل من البلدين رجال عظماء كبطرس البستاني في سوريا، ورفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك (١٨٢٤ - ١٨٦٣)، وعبد الله فكري (١٨٣٤ - ١٨٩٠) بمصر، وفي البلاد غير العربية امتاز العصر بظهور بعض الكتاب النوابغ كأحمد فارس الشدياق (١٨٠٤ - ١٨٨٧).
في هذه الفترة أنشئت الصحافة الدورية وتكون الأسلوب الصحفي، وشهدت السنوات العشر المتخللة بين سنة ١٨٦٠ و ١٨٧٠ تغيرات خطيرة في مركز الأدب العربي الحديث،