يجوز نبذ الأدب القديم كله لتشييد أدب عربي حديث، بل يتعين الاحتفاظ بجزء كبير من الأدب القديم وإعادة تنظيمه. وقد تأسست دور كتب على النمط الأوربي فسهلت تلك الدراسات المنظمة وساعدت على نشر الكتب القديمة. وإلى جانب الصحافة الدورية، قامت المنتديات والجماعات العلمية والسياسية والأدبية تدريجياً منذ منتصف القرن الماضي فأحدثت أثراً عميقاً في الجو الأدبي. بل إن النثر الخطابي نشأ وتدرج في تلك المنتديات. أما المسرح فلم يكن له حظ يذكر، فقد ظهرت بواكيره في النصف الأخير من القرن التاسع عشر بفضل جهود بعض الهواة، لكنه لم يعتبر مظهراً جدياً من مظاهر الفن إلا في القرن العشرين إذ برزت طائفة من الممثلين الأكفاء يرشدهم فريق من النقدة المسرحيين.
وللهجرة أهمية خاصة ترجع إلى تقلبات مصير العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين، وذلك لاعتبارات متنوعة من سياسية واقتصادية. ولقد سارت الهجرة جنباً لجنب مع الأدب العربي الحديث منذ فجره حتى اليوم، سارت منذ غداة الحملة الفرنسية إذ نزحت بعض الأسر عن مصر وأقامت في فرنسا، كميخائيل صباغ (١٧٨٤ - ١٨١٦) والياس بقطر (١٧٨٤ - ١٨٢١). وكثير من أولئك المهاجرين كانوا أساتذة الآداب العربية في جامعات أوربا كالشيخ الطنطاوي المدفون ببطرسبرج (١٨١٠ - ١٨٦١) وكان جل اهتمامهم موجهاً إلى إحياء الأدب القديم، إذ أن الأدب العربي الحديث كان في مستهل نهضته فلم يثير اهتمام المستعمرين وعلماء المشرقيات. لكن الحالة تطورت بعد سنة ١٨٧٠ إذ تدفق سيل المهاجرين تدفقاً كبيراً (خصوصاً النازحين من سوريا) لا إلى أوربا فحسب، بل إلى أمريكا الشمالية والجنوبية. وكان لهجرة هذه العناصر أهمية عظمى في تكوين الأدب العربي الحديث، إذ ظهر جيل من الكتاب بدءوا دورهم على مسرح الأدب وإن لم يتموه إلى الآن.
استناداً إلى هذه العوامل يمكن القول بأن تاريخ الأدب العربي الحديث ليس إلا تاريخ النفوذ الأوربي، فقد اتجه هذا الأدب اتجاهين رئيسيين: النضال بين الأفكار القديمة وبين الأفكار الحديثة، والمشكلات التي نشأت من طابع الفن الأدبي الحديث. وقد اتخذ هذا النضال أشكالاً متباينة في المضمار الأدبي، فشوهدت في كل مرحلة تقلبات تختلف عن الأخرى. وأهم الميول التي ظهرت بجلاء هي أولاً: الاحتجاج على كل جديد ومحاولة البقاء في دائرة القديم، وإحياء الأساليب القديمة. ثانياً: السير سيراً سطحياً على منوال الأوربيين